تصنيف العمل :
يقول الطاهر محفوظي في مقدمة كتابه " هذا الكتاب شهادة صادقة على فترة عصيبة من تاريخ المغرب ،عرفت بسنوات الرصاص، حيث واجه الشعب وقواه الحية الاستبداد والظلم والقهر.ونتيجة لهذه المعركة غير المتكافئة ، امتلأت السجون بمئات المعتقلين ،واستقبلت المنافي العديد من المناضلين "
بهذه العبارة يحدد الطاهر محفوظي الإطار التاريخي والسياق الذي يؤطر كتابه "أفول الليل "،والذي أراه شخصيا عبارة عن سيرة من زاوية تضمنه لأحداث واقعية عاشها الكاتب في المعتقل وأراه عملا إبداعيا من زاوية الأسلوب الجميل الذي كتب به والذي يتجاوز الطريقة التقريرية للسيرة ويضفي عليها طابعا تخييليا وإبداعيا جميلا ، وهذا يتضح بشكل جلي حين يمزج الكاتب النثر بالشعر في كتابه إذ أنه أدرج فيه حوالي إثنى عشرة قصيدة كتبت في السجن ،والتي يكتسي بعضها طابعا سرديا ووصفيا (جرد ثروة ) و تارة احتفاليا (القصيدة الموجهة للشعب الكمبودي مثلا ) و أحيانا طابعا تحريضيا (قصة يا صاحبي السجن التي يوظف فيها قصة النبي يوسف ).
ب_السخرية السوداء في" أفول الليل " فلسفة حياة :
أكثر ما يشد القارئ ويمتص غضبه وهو يقرأ هذا الأدب المأساوي هو تلك السخرية السوداء التي طبعت أسلوب الكتابة على امتداد فصول العمل ،ليحافظ القارئ على التفاؤل والابتسامة وهو يقرأ أمورا في العادة تثير البكاء . وإذا كانت روايات كثيرة من أدب السجون توصل القارئ لذروة الانفعالات الحزينة جدا فإن الطاهر محفوظي يجعل تجربة الاعتقال تجربة عبثية يشكل الضحك أقصى أشكال الرد على عبثيتها .
في فصل عنونه ب "قاضي التحقيق تقلوشت "طبعا " كتب محفوظي قائلا :كان يشبه" لوي ترانتنيون" في فيلم "زيد" يلعب نفس الدور عن قناعة أو لضرورة التمثيل .
تلا علي صك الاتهام :المس بسلامة الدولة والتامر لقلب النظام الملكي وتعويضه بنظام جمهوري اشتراكي وتأسيس منظمة سرية والإخلال بالأمن العام ...وكل ما من شأنه ......فانفجرت ضاحكا
لماذا تضحك ؟
أضحك من التهم التي توجب الإعدام
في السجن سيكون لك الوقت الكافي للضحك
نعم يا سيد تاقلوشت ،لقد ضحكنا في السجن ،وتحققت نبوءتك ،وضحكنا كثيرا ،وأنت هل مازلت بئيسا وعبوسا ؟
هل تريد تنصيب محام ؟
طبعا
التفت إلى كاتبة الضبط وقال في تعال :اكتبي " طبعا "
في هذا الفصل وفي معظم فصول الكتاب يتهكم السجين المنتصر لتفاؤله من السجان "البئيس العبوس " ويقلب الأدوار ويعيد بهذا طرح الأسئلة الوجودية الأولى ، حول من الأجدر بالقلق ؟ المتصالح مع نفسه ، أم المنزوع الإرادة الذي تم اختزاله في كائن تقني يأتمر بالأوامر يضع آخرين لأجل آخرين في السجن ؟
وهذا أمر يعبر عنه الكاتب بطريقة أكثر وضوحا بقوله في نفس الفصل: كنا في معركة، له الشرطة والسجن والأختام الملونة ولي قوتي وإيماني.يمضي مذكرة اعتقال وإيداع بالسجن، وأغرز عيني في عينه حتى داخل نظارتيه وأقول له في كبرياء وعناد وتحد: "طبعا ".
أقف في أسمالي المتسخة ولا أحمل أي شئ إلا قضية بسيطة ،لكن عظيمة ، أتوجه إلى السجن وأترك له "طبعا"لتؤلمه وليشعر بالمهانة "طبعا" .
هي إذن فلسفة حياة يتبناها الكاتب وليست مجرد فلسفة إبداعية ،هي آليته الخاصة للدفاع عن نفسه ضد القبح الذي يطوقه من كل جانب . هذا الهروب إلى الأمام أو لنقل إلى العمق حيث يمتح من قوته الروحية أسلحته الخاصة ضد أسلحة السجان هي فلسفة نستنبطها من فصول العمل كله وتمنح للقارئ متعة خاصة وتجعله في حل من أية مسؤولية تجاه الضحية أي السارد الذي لا يستذر تعاطفا بل يكتب بوعي عميق تجربته الإنسانية كجزء لا يتجزأ من المأساة الملهاة الإنسانية برمتها وليست تجربة متفردة . .
قوة روحية لا تقبل الهزيمة أمام الخصم لدرجة ان الكاتب يعتبر حتى مجرد الحنين للبحر احتمال هزيمة إذ يكتب "تحن ويرجع إليك الحنين صدى يضاعف الألم .هل السفر لزرقة البحر و قد أحكم السجان عليك الأبواب والقضبان انهزام ؟ "
وتتناسل في كتاب الطاهر محفوظي عبارات توحي بدرجة وعيه السياسي و الإنساني بتجربته بعيدا عن الدوغمائية راصدا كل لفتة إنسانية تمتد إليه من داخل منظومة السجان نفسه ،كتب في الفصل المعنون "الفصل العظيم للتقديم " : كانت كاتبة الضبط تلتفت نحو التلاميذ وتشير برأسها وعينيها لتحضهم على نفي التهمة ، حين جاء دوري لم تكن بحاجة لإشارة ما لأنها قرأت في ملفي أني طالب السنة الأولى من العلوم السياسية وأجبت "طبعا " على السؤال الروتيني لوكيل محام ،وزدت وضحكت بعد سماع التهم الخطيرة لقلب النظام ....
أيتها السيدة الرائعة ،شكرا ،لم أعد أذكر وجهك ،فلم نكن متقابلين لأتفرس في محياك لكن تضامنك في تلك اللحظات العصيبة من ماي مع تلاميذ صغار يعد معجزة .
شكرا لمن رمى لنا خبزة أو خبزتين في مفوضة الشرطة بالمعاريف ،شكرا لمن شد القيد برفق ورحمة وهو مجبر على فعل ذلك ،وسامح الله من علقنا وجلدنا حتى انتفخت أرجلنا وخنقنا حتى كادت تزهق أرواحنا ....ولن نغفر لمن حاول إهانتنا والحط من كرامتنا ،ومن كان وراء الماسي والعذابات خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين ."
ج_" أفول الليل " سجل للتوثيق :
إلى جانب كون كتاب "أفول الليل" تجربة إنسانية للمعتقل السياسي السابق الطاهر محفوظي فهو ملف يضم عدة وثائق يضعها الكاتب بين يدي القارئ ليجعل من كتابه شهادة حية غنية بالحقائق الموثقة ، فالكاتب يدرج التواريخ والأمكنة وأسماء الضحايا والجلادين و ينشر وثائق تنظيمية (هيكل الحركة التلاميذية مثلا) . بل ويذهب لحد نشر قاموس مصغر خاص بالسجن ، أدرج فيها العبارات والمصطلحات التي اجترحها السجناء من رحم المعاناة للتواصل بينهم دون أن يفهم السجان لغتهم ، كما يؤرخ الكاتب تجربته الخاصة بنشر رسائله التي كان يرسلها من داخل السجن .
كل ما جئنا على ذكره وغيره كثير مما لا يسمح المجال بذكره هنا يجعل من كتاب "أفول الليل "عملا إبداعيا وسيرة ذاتية و وثيقة تاريخية مغطيا بذلك جانبا لا يستهان به من حاجة القارئ المغربي لمعرفة تاريخ البلد في جوانبه كلها بما فيها المظلمة ، وحاجة الكاتب للتواصل وتقاسم تجربته .
يقول الطاهر محفوظي في مقدمة كتابه " هذا الكتاب شهادة صادقة على فترة عصيبة من تاريخ المغرب ،عرفت بسنوات الرصاص، حيث واجه الشعب وقواه الحية الاستبداد والظلم والقهر.ونتيجة لهذه المعركة غير المتكافئة ، امتلأت السجون بمئات المعتقلين ،واستقبلت المنافي العديد من المناضلين "
بهذه العبارة يحدد الطاهر محفوظي الإطار التاريخي والسياق الذي يؤطر كتابه "أفول الليل "،والذي أراه شخصيا عبارة عن سيرة من زاوية تضمنه لأحداث واقعية عاشها الكاتب في المعتقل وأراه عملا إبداعيا من زاوية الأسلوب الجميل الذي كتب به والذي يتجاوز الطريقة التقريرية للسيرة ويضفي عليها طابعا تخييليا وإبداعيا جميلا ، وهذا يتضح بشكل جلي حين يمزج الكاتب النثر بالشعر في كتابه إذ أنه أدرج فيه حوالي إثنى عشرة قصيدة كتبت في السجن ،والتي يكتسي بعضها طابعا سرديا ووصفيا (جرد ثروة ) و تارة احتفاليا (القصيدة الموجهة للشعب الكمبودي مثلا ) و أحيانا طابعا تحريضيا (قصة يا صاحبي السجن التي يوظف فيها قصة النبي يوسف ).
ب_السخرية السوداء في" أفول الليل " فلسفة حياة :
أكثر ما يشد القارئ ويمتص غضبه وهو يقرأ هذا الأدب المأساوي هو تلك السخرية السوداء التي طبعت أسلوب الكتابة على امتداد فصول العمل ،ليحافظ القارئ على التفاؤل والابتسامة وهو يقرأ أمورا في العادة تثير البكاء . وإذا كانت روايات كثيرة من أدب السجون توصل القارئ لذروة الانفعالات الحزينة جدا فإن الطاهر محفوظي يجعل تجربة الاعتقال تجربة عبثية يشكل الضحك أقصى أشكال الرد على عبثيتها .
في فصل عنونه ب "قاضي التحقيق تقلوشت "طبعا " كتب محفوظي قائلا :كان يشبه" لوي ترانتنيون" في فيلم "زيد" يلعب نفس الدور عن قناعة أو لضرورة التمثيل .
تلا علي صك الاتهام :المس بسلامة الدولة والتامر لقلب النظام الملكي وتعويضه بنظام جمهوري اشتراكي وتأسيس منظمة سرية والإخلال بالأمن العام ...وكل ما من شأنه ......فانفجرت ضاحكا
لماذا تضحك ؟
أضحك من التهم التي توجب الإعدام
في السجن سيكون لك الوقت الكافي للضحك
نعم يا سيد تاقلوشت ،لقد ضحكنا في السجن ،وتحققت نبوءتك ،وضحكنا كثيرا ،وأنت هل مازلت بئيسا وعبوسا ؟
هل تريد تنصيب محام ؟
طبعا
التفت إلى كاتبة الضبط وقال في تعال :اكتبي " طبعا "
في هذا الفصل وفي معظم فصول الكتاب يتهكم السجين المنتصر لتفاؤله من السجان "البئيس العبوس " ويقلب الأدوار ويعيد بهذا طرح الأسئلة الوجودية الأولى ، حول من الأجدر بالقلق ؟ المتصالح مع نفسه ، أم المنزوع الإرادة الذي تم اختزاله في كائن تقني يأتمر بالأوامر يضع آخرين لأجل آخرين في السجن ؟
وهذا أمر يعبر عنه الكاتب بطريقة أكثر وضوحا بقوله في نفس الفصل: كنا في معركة، له الشرطة والسجن والأختام الملونة ولي قوتي وإيماني.يمضي مذكرة اعتقال وإيداع بالسجن، وأغرز عيني في عينه حتى داخل نظارتيه وأقول له في كبرياء وعناد وتحد: "طبعا ".
أقف في أسمالي المتسخة ولا أحمل أي شئ إلا قضية بسيطة ،لكن عظيمة ، أتوجه إلى السجن وأترك له "طبعا"لتؤلمه وليشعر بالمهانة "طبعا" .
هي إذن فلسفة حياة يتبناها الكاتب وليست مجرد فلسفة إبداعية ،هي آليته الخاصة للدفاع عن نفسه ضد القبح الذي يطوقه من كل جانب . هذا الهروب إلى الأمام أو لنقل إلى العمق حيث يمتح من قوته الروحية أسلحته الخاصة ضد أسلحة السجان هي فلسفة نستنبطها من فصول العمل كله وتمنح للقارئ متعة خاصة وتجعله في حل من أية مسؤولية تجاه الضحية أي السارد الذي لا يستذر تعاطفا بل يكتب بوعي عميق تجربته الإنسانية كجزء لا يتجزأ من المأساة الملهاة الإنسانية برمتها وليست تجربة متفردة . .
قوة روحية لا تقبل الهزيمة أمام الخصم لدرجة ان الكاتب يعتبر حتى مجرد الحنين للبحر احتمال هزيمة إذ يكتب "تحن ويرجع إليك الحنين صدى يضاعف الألم .هل السفر لزرقة البحر و قد أحكم السجان عليك الأبواب والقضبان انهزام ؟ "
وتتناسل في كتاب الطاهر محفوظي عبارات توحي بدرجة وعيه السياسي و الإنساني بتجربته بعيدا عن الدوغمائية راصدا كل لفتة إنسانية تمتد إليه من داخل منظومة السجان نفسه ،كتب في الفصل المعنون "الفصل العظيم للتقديم " : كانت كاتبة الضبط تلتفت نحو التلاميذ وتشير برأسها وعينيها لتحضهم على نفي التهمة ، حين جاء دوري لم تكن بحاجة لإشارة ما لأنها قرأت في ملفي أني طالب السنة الأولى من العلوم السياسية وأجبت "طبعا " على السؤال الروتيني لوكيل محام ،وزدت وضحكت بعد سماع التهم الخطيرة لقلب النظام ....
أيتها السيدة الرائعة ،شكرا ،لم أعد أذكر وجهك ،فلم نكن متقابلين لأتفرس في محياك لكن تضامنك في تلك اللحظات العصيبة من ماي مع تلاميذ صغار يعد معجزة .
شكرا لمن رمى لنا خبزة أو خبزتين في مفوضة الشرطة بالمعاريف ،شكرا لمن شد القيد برفق ورحمة وهو مجبر على فعل ذلك ،وسامح الله من علقنا وجلدنا حتى انتفخت أرجلنا وخنقنا حتى كادت تزهق أرواحنا ....ولن نغفر لمن حاول إهانتنا والحط من كرامتنا ،ومن كان وراء الماسي والعذابات خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين ."
ج_" أفول الليل " سجل للتوثيق :
إلى جانب كون كتاب "أفول الليل" تجربة إنسانية للمعتقل السياسي السابق الطاهر محفوظي فهو ملف يضم عدة وثائق يضعها الكاتب بين يدي القارئ ليجعل من كتابه شهادة حية غنية بالحقائق الموثقة ، فالكاتب يدرج التواريخ والأمكنة وأسماء الضحايا والجلادين و ينشر وثائق تنظيمية (هيكل الحركة التلاميذية مثلا) . بل ويذهب لحد نشر قاموس مصغر خاص بالسجن ، أدرج فيها العبارات والمصطلحات التي اجترحها السجناء من رحم المعاناة للتواصل بينهم دون أن يفهم السجان لغتهم ، كما يؤرخ الكاتب تجربته الخاصة بنشر رسائله التي كان يرسلها من داخل السجن .
كل ما جئنا على ذكره وغيره كثير مما لا يسمح المجال بذكره هنا يجعل من كتاب "أفول الليل "عملا إبداعيا وسيرة ذاتية و وثيقة تاريخية مغطيا بذلك جانبا لا يستهان به من حاجة القارئ المغربي لمعرفة تاريخ البلد في جوانبه كلها بما فيها المظلمة ، وحاجة الكاتب للتواصل وتقاسم تجربته .