د. محمد عبدالله القواسمة - ملاحظات على مقالة "الشعر والفلسفة في كتاب عن درويش"

في مقاله عن كتاب د. بسام قطوس " درويش على تخوم الفلسفة" الذي نشر في ملحق الدستور الثقافي الجمعة 31 كانون الأول / ديسمبر 2021م والذي جاء تحت عنوان" الشعر والفلسفة في كتاب عن محمود درويش" يتحدث الدكتور إبراهيم خليل عن الكتاب، ويقدم قراءة نقدية له. ولأهمية ما كتبه، ولأهمية الكتاب المقروء أقدم هذه الملاحظات.

الملاحظة الأولى

يذكر الباحث في مقدمة مقاله قائمة الكتب التي تناولت أشعار محمود درويش دون أن تهتم بالمشكلة الفلسفية في شعره، وبلغ عددها ستة وثلاثين كتابًا. إنها تكاد تشكل قائمة ببليوغرافية يمكن نشرها منفردة. ثم يذكر الباحث الكتب التي تناولت الفلسفة في شعر درويش وهو يرى أنها ليست مهمة ثم يعود لينوه بأحدها. نقرأ:" ولم يقف عند المشكلة الفلسفية في شعره إلا القليل النادر الذي لا يؤبه له، كـَتـَمَظْهُر الأنا في شعره لعطية إسكندر، والأنا في شعر محمود درويش لصفاء المهداوي 2013 وأسئلة المكان والكينونة في شعر محمود درويش لفتيحة كحْلوش. وهذا الأخير هو الدراسة الوحيدة التي توقفت بأناةٍ عند المشكلة الفلسفية في شِعره".

كان يمكن الإشارة إلى الكتب القليلة التي تناولت الفلسفة في شعر محمود درويش وبيان أهمية كتاب الدكتور بسام قطوس من بينها؛ لاشتراكه معها في الموضوع، ولا ضرورة لذكر الكتب الأخرى التي تناولت الموضوعات الأخرى في شعر درويش.

الملاحظة الثانية

يقف الباحث على كلمة "أسئلة" في العنوان الفرعي للكتاب " أسئلة الفلسفة في شعر محمود درويش" وينتقد اطَّراد استعمال كلمة (أسئلة)، و(سؤال) سواء في الدراسات، والمقالات النقدية العربية الحديثة، أم في الكتاب نفسه، ويرى أنه ترجمة لتعبير شائع في اللغات الأوروبية، وهو تعبير المشكلة Problem وهو ترجمة غير دقيقة" فلو استعملت عوضًا عن (سؤال) لفظة (مشكلة) أو (إشكالية) لكانت أكثر دقّة وانسجامًا مع طبيعة اللغة العربية؛ لأن السؤال في العربية هو أن ينتظر المتكلم جوابًا عنه، إنْ لم يكن دعاءً، كقول الشاعر: "سألت الله أن يبعث لي بليلى " فهنا السؤال دعاءٌ. وقد يكون طلبًا لحاجة، وهو ما عناه الشاعر بقوله: " لكنما الموتُ سُؤال الرجال" ومستعملو هذه الكلمة لا يريدون الدعاءَ، ولا التسوّل، ولا الإجابة، وإنما يريدون البحث في الموضوع على أساس أن فيه آراءً متباينة، ووجهات نظر مختلفة اختلافًا كبيرًا وشديدًا"

في الحقيقة فإن كلمة "سؤال" تحمل معاني كثيرة غير ما ذكره الباحث فمن معاني الكلمة الأخرى: طلب الصدقة، وقد نهى الرسول عن كثرة السؤال. ومن معانيها: الاقتراح، والاستفسار، والمطالبة التي يصعب تحقيقها، ثم تعني القضية، أو ما كان موضوع بحث أو نظر. لهذا فإن كلمة سؤال بما توحيه من حيرة السائل إزاء ما يُبحث عنه، وضرورة الكد لمعرفة القضية موضوع السؤال أكثر انسجامًا مع قواعد اللغة العربية ودلالة على المقصود منها.

الملاحظة الثالثة

لقد وفق الباحث في التفريق بين الفلسفة والشعر، وكان على غير اتفاق مع مؤلف الكتاب، فالكلمتان وإن كانتا تعبران عن أفكار تتصل بالكون، والوجود، والعدم، والحياة، والموت، والحقيقة، والسعادة، فإن معالجتهما لهذه الأفكار مختلفة بعضها عن بعض؛ فالشعر خطاب عاطفي وجداني والفلسفة خطاب تأملي عقلاني، لكنه كما أرى ابتعد عن الصواب في قوله إن شاعرية درويش لم تكن بسبب ما فيه من إشارات فلسفية" بل منْ لغته الشعرية، ومن الموسيقى الغنائية العذبة التي تفيضُ رقّةً، وجمالًا، والصُور المبتكرة، المتخيلة، البعيدة عن وصف الواقع، وهذا ما لفتَ إليه أنظار الدارسين، والباحثين" فالحقيقة أن شاعرية درويش لم تكن نتيجة التقنيات الأسلوبية السابقة وحدها بل لتلك المعاني والأفكار التي حملتها تلك التقنيات الأسلوبية التي استخدمها في شعره ابتداءً من قصيدته "سجل أنا عربي" مرورًا بـ"قهوة أمي" و"إخوة يوسف" وانتهاءً بـ"سيناريو جاهز"

الملاحظة الرابعة

ينساق الباحث خلف المقولات النقدية القديمة المتهالكة حين يرى أن " النقد العربي في أزهى نماذجه للحكمة في الشعر، والفلسفة، نظرة مفعمة بالارتياب، والشكّ. فالذي يقترب بشعره من الجدَل، والحِجاج الفلسفي، والبُرهان، يعدُّ شعرهُ شعرًا ركيكًا، لا يُتَخير في المختارات، لأنه نظمٌ يغلِّبُ القائلُ فيه العقلَ على الوجْدان، والفكر على الشعور، والإحساس، ويهتم بالمنطق أكثر مما يهتم بالتخييل، وبجماليات الأسْلوب. ولهذا قالوا عن أبي تمام، والمتنبي، حكيمان، وإنما الشاعر البحتريّ. كونه يتغنى في شعره، ويتوخّى في قصائده النسيبَ العذْب، الرقيق، الذي يشبه نسيم الروض في الصباح النَديّ، مبتعدًا عن الأفكار الذهنية المعلَّلَة التي تهجّن الشعر، وتُفسدُه."

الحقيقة أن الشعر لا يقوم على التصوير فقط وإنما يقوم أيضًا على المعنى والفكر والانسجام والتواؤم بين عناصره كلها. إذا أبعدنا المتنبي وأبا تمام عن دائرة الشعر لشيوع الحكمة في شعرهما، فماذا نفعل بالمعري وأدونيس وابن عربي والنفري وغيرهم، بل ماذا يتبقى من شعرنا العربي عندئذ؟

كانت تلك الملاحظات النقدية والمنهجية على مقال د. إبراهيم خليل الذي قرأ كتاب د. بسام قطوس لعلها تثير النقاش حول الكتاب المقروء من ناحية، وحول ما كتب عنه من ناحية أخرى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى