أدب المناجم علي الخميلي - الفسفاط نعمة أم نقمة على مدن الحوض المنجمي...؟

الذكرى 136 لاكتشاف الفسفاط بالمتلوّي التونسيّة

عطاء لأكثر من قرن وثلث القرن لم يفرز غير الأمراض والظلم والبؤس والعطش والجفاء


في مثل هذا اليوم ( 18 أفريل / أبريل ) من سنة 1885 – أي منذ 136 سنة، بالتمام والكمال، اكتشف البيطري الفرنسي فليب توماس، الفسفاط، بسفح جبال الثالجة بمنطقة المتلويّ التونسية، جنوب غرب البلاد ( حوالي 400 كلم عن العاصمة تونس).
ولا يختلف عاقلان أنّ الفسفاط ساهم بشكل كبير في نموّ الإقتصاد العام لتونس وتغيير ملامح البلاد، بعد بعث شركة الفسفاط والسكك الحديدية سنة 1897 وإعطاء إشارة انطلاق مد الخط الحديدي الرابط بين المتلوي وميناء صفاقس بطول 243 كلم.
كما ساهمت شركة الفسفاط في عدد كبير من المشاريع الوطنية ومهدت السبل لبعث مؤسسات أخرى كبرى ومتوسطة، أصبحت كلها ذا شأن كبير في البلاد، ومنها الشركة الوطنية للسكك الحديدية والمجمع الكيمياوي التونسي، وغيرهما، قبل تنازلها مقابل ذلك على عدد من مشاريعها وعقاراتها لصالح الدولة بمختلف قطاعاتها، ومنها على سبيل الذكر ولا الحصر هنشير الشعّال بجهة صفاقس، ونزل أميلكار بسيدي بوسعيد الذي كان الهدف من تشييده احتضان المنجميين وأسرهم في عطلهم، أو راحاتهم السنوية خلال الفترة الصيفية، وفق جدول وتراتيب إدارية منظمة، وذلك للتخفيف عليهم من وطأة وثقل عسر العذاب الذي كانوا يعانونه حين كان الفسفاط يستخرج بالآليات البدائية والتقليدية من أعماق أغوار الجبال ( الدواميس) التي كانت تلتهم الرجال وتواريهم تحت أكداس الفسفاط والصخور كلما تكسر وتد خشبي اعتقدوا أنه سيحمل تلك الجبال المثقلة دون خشية مكروه.
ومهما تتعددت الضحايا بل شهداء المناجم أو الحوض المنجمي، فإن عزيمة الجدود والآباء كانت أكبر من تهديدات فواجع الموت، لذلك كانوا وكلما رجعوا من المقبرة بعد توديعهم الوداع الأخير، لزميل لهم ، إلا وشمّروا على أذرعتهم لاستخراج أكثر الكميات الفسفاطية، لإيمانهم أن الفسفاط هو الحياة وأن العمل من الإيمان، رغم الآلام التي كانوا يتجرعون مرارتها في كل لحظة.
كما كانوا يؤمنون أن الفسفاط نعمة وهبها الله لهم لينعموا بالخيرات ويعلنوا النجاحات ويساهموا في خدمة جهتهم ووطنهم بمختلف مناطقه على مختلف الواجهات والمستويات باعتبار أن الفسفاط ثروة وطنية، ومن المنطقي أن يتمتع بها كل التونسيين.
وفعلا ساهم الفسفاط في بناء الدولة الحديثة بتطوير الشبكات المائية للبلاد والبنى التحتية، ومنها الطرقات السيارة، كما كانت له الأولوية والمساهمات الكبرى الجوهرية في دعم مشروع السياحة وتطوير الفلاحة على المستوى الوطني، فضلا عن المساهمة بالقسط الأكبر بل بكل الأقساط الجملية في تشييد الكليات والمستشفيات وأيضا ملعب المنزه، وغيره من كل تلك المشاريع الوطنية الكبرى والبارزة، وذلك من أجل أن يكون للفسفاط دوره في توزيع الثروة الوطنية على كل التونسيين وبكل شبر من الخريطة التونسية.
والسؤال الذي يفرض نفسه، هو: هل هذه الثروة الوطنية التي مرّ عليها 136 سنة (ومازالت منابعها تتدفق وستظل لمدة تتجاوز قرن جديد آخر، وربما تدرك القرنين أو أكثر، وفق آراء الخبراء والأخصائيين،) واستفاد من خيراتها كل التونسيين، يحق لعمال الحوض المنجمي المباشرين والمتقاعدين، وكل الأهالي بالمتلوي والرديف وأم العرائس والمظيلة، الإستفادة والتمتع ولو بحق الحياة، لتتوفر لهم المستشفيات بمختلف اختصاصاتها ومنها المتعلقة بالأمراض التي يفرزها الفسفاط، وكذلك الكليات وامتداد الأرصفة والطرقات الرافضة للحفر والنتوءات وتراكمات بقايا الفسفاط والرمال..؟..
وإن تتعدد المشاغل والإشكالات وهي كثيييييييييييرة جدا جدّا، ومنها البطالة المدمرة والتلوث القاتل، فإن التساؤل الذي لابد منه يبقى متعلقا بحق الماء الصالح للشرب، الذي أصبح في أكثر الأحيان مفقودا ومقطوعا حتى في الفترات الشتوية والربيعية وفي أقدس شهر – على غرار شهر رمضان المعظم الحالي، فما بالك بأشهر الصيف والحرّ، والحال أن الفسفاط أو شركة الفسفاط ساهمت في فترات سابقة في تطوير الشبكة المائية الوطنية عامة، وتناست وإلى يومنا هذا- شبكة مياه الجهة المنجمية ...؟..
قد يتطلب الموضوع الكثير من التساؤلات وذلك في كل مسألة من مسائل الحياة في جهة الحوض المنجمي، ومنها الثقافية، التي كانت في ما مضى من مشمولات الشركة وتجد الدعم منها رغم انتمائها إداريا لوزارة الثقافة، التي تجاهلت هذا القطاع بشكل مخجل ومخيب لكل الآمال، خاصة إذا علمنا أن المشاريع الخاصة بالترميم، مع التأكيد على الترميم، ولا التشييد، جامدة ومتجمدة، دون إنهاء الأشغال وذلك لسنوات عديدة، ودار الثقافة بالمتلوي خير مثال على ذلك.
أختزل وأشير إلى أن الغاز الطبيعي الذي وعدت السلطات المركزية بتوفيره منذ سنة 2012، لتمهيد سبل الحركية أمام المستثمرين وتشجيعهم على البقاء دون مغادرة، وكان قد طالب به صاحب معمل بالمتلوي قبل غلقه بسبب عدم إيفاء السلطات بوعودها كما ظلت وخاصة في الحوض المنجمي المنسيّ الذي مازال ومنذ 136 سنة يدرّ بالخيرات على الوطن، دون أن يعترف له مسؤولو وسياسيو الوطن الجحودين ، بمجهود الرجال والنساء، لا قبل 1956 ولا بعده، ولا بعد 1987 ولا حتى، وخاصة، بعد 2011.
مجهود كبير جدا قدم من خلاله طيلة 136 سنة ( منذ اكتشاف الفسفاط) وقبل وبعد بعث الشركة، قدم عمال الحوض المنجمي عصارة شبابهم ولب صحتهم وصحة أهاليهم كل شيء دون أن يستفيدوا بأي شيء، ... ويكفي القيام بزيارة للمدن المنجمية لتتجلى الحقائق أمام الذين لا يعلمون ولا يعرفون جغرافية الحوض المنجمي ومع ذلك يبيحون لأنفسهم أحيانا وبكل وقاحة التحدث عن الفسفاط وخاصة حين يتعطل انتاجه في وطن معطّل على كل المستويات، حيث يعدّدون الخسائر بالأرقام بسبب مطالبة بحق ضمنه دستور البلاد، وحين يتحرك إنتاجه، يصمتون ولا يذكرون الأرقام التي بفضل الفسفاط تنتعش بها ميزانية البلاد أو حتى تغطي بعض الحاجيات الأكيدة والمؤكدة، وهم لا يعلمون أيضا أن هذا الفسفاط لا يأتي من فراغ وبكل ذاك اليسر الذي يعتقدونه، بل جاء ماضيا وحاضرا بفضل مجهودات كبيرة جدا بذلها العمال على مرّ السنين وطيلة 136 سنة منذ الاكتشاف و124 سنة منذ بعث المؤسسة...
كان من المفروض أن يكون الوضع أفضل بكثييييييير، كما كان من المفروض أيضا وخاصة بعد 2011 أن لا يرتكب الحاكم نفس الأخطاء التي ارتكبها سلفه، إلا أنه اتضح أنه لا يعرف من الحكم غير التمسك بأن يكون حاكما ويجرب الحكم كما جربه سلفه، ولو تضاعف عدد المعطلين عن العمل ومات التونسيون على قوارب الموت أو بسبب الإهمال الواضح على مستوى الصحة أو بالعمليات الإرهابية، وما شابه ذلك من التدميرات الأخرى الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتعليمية وغيرها ...
قد يكون للموضوع الكثير من الزوايا والبقايا، ويتطلب الرجوع بأكثر التفاصيل، في مناسبة لاحقة قريبة، في ظل المظالم الكثيرة المسلطة على الحوض المنجمي وأهاليه وشبابه بالخصوص، ولكن يبقى السؤال يكمن في ما قاله الشاعر الموريتاني، وأنشدت فرقة أولاد المناجم منذ ثمانينات القرن الماضي مطلعه:
.. ...............فماذا نقول .. وماذا نريد ...؟.. نريد الحياة بلا ظالمين ..... نريد الحياة بلا ظالمين





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى