نور الدين صمود - المجلات الشعرية

عثرت على بحث موجز في (الحاسوب)عن المجلات العربية التي اختصت بنشر الشعر ودراساته منذ القرن الماضي، فوجدت أن أهمها هي مجلة (أبوللو) التي أصدرها الدكتور أحمد زكي أبو شادي في أوائل عشرة الثلاثين من القرن العشرين، وأسندت أسرةُ تحريرها رئاستها الشرفية إلى أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي لم يعش بعد ذلك أكثر من شهرين اثنين، ولم يتجاوز عمرُها العامين ظهر فيهما شعر أبي القاسم الشابي ونخبة من الشعراء لا زالت أسماؤهم تلمع في سماء الشعر العربي المعاصر، وكانت صفحاتها أهم منبر عرّف بهم وبشعرهم في المشرق العربي وفي تونس أيضا، وقد أشار صاحب ذلك البحث إلى بعض المجلات الأخرى التي اهتمت بالشعر: نشرا ودراسة وترجمة، ولكنها لم تكن في مستوى مجلة أبوللو، وقد أشار صاحب هذا التعريف إلى بعض المجلات الشعرية الأخرى، ويهمني أن أنقل من ما قاله عن: (مجلة الشعر في تونس)، وهي مجلة فصلية صدرت عام 1983 عن وحدة المجلات بوزارة الشؤون الثقافية، ورأس تحريرها نور الدين صمود، وكان أمين تحريرها يوسف رزوقة، وإلى جانب الدراسات والقصائد، هناك انفتاح على شعراء من العالم من خلال الترجمة، يقول الشاعر نور الدين صمود في افتتاحية العدد الثالث (شتاء 1983) على سبيل المثال: «هذا هو العدد الثالث من «مجلة الشعر» بين يديك، وإذا ألقيت نظرة فاحصة على «محتواه» فإنك ستجد أنه، مثل العددين السابقين: نافذة على الشعر العربي، قديمه وحديثه، وتونس جزء من العرب، وعلى الشعر العالمي، والعرب جزء من العالم الفسيح، ولئن شطت المسافات، واختلفت اللغات، فإننا نتمثل إزاء هذه النماذج الشعرية المعربة بقول المتنبي: «فَما تُفهِمُ الحُدّاثَ إِلا التَراجِمُ». أما في افتتاحية العدد العاشر (في عام 1985) فيقول: «مجلة الشعر مازالت منذ عددها الأول تؤمن بأنها حديقة يجب أن تتفتح فيها جميع أنواع الزهور، وللزهور ألوان وروائح مختلفة، ولنترك الحرية للناس في اختيار ما يشاؤون. وإن صلة مجلة الشعر ستظل متينة بالشعر العالمي، لأنها تؤمن بوجوب التلاقح والتواصل ومدِّ الجسور، كما أنها ستكون لها ملفات في كل ما له صلة بالشعر، كما كان لها في السابق ملف عن الشعر السوفياتي، وملف عن الشعر الإسباني، والبقية تأتي». وقد توقفت هذه المجلة عن الصدور بعد ذلك، ففي زيارة لي إلى تونس عام 2003 سألت عنها، فقيل لي إنها لم تعد تصدر. وأكد لي هذا أيضا رئيس تحريرها د.

نور الدين صمود، في أكثر من لقاء معه في القاهرة (أثناء مشاركته في مؤتمر أمل دنقل الذي عقده المجلس الأعلى للثقافة عام 2003 بمناسبة مرور عشرين عاما على رحيل الشاعر الذي احتفت به مجلة الشعر المصرية، فنشرت قصيدته «الكمان» في عددها الأول (يناير 1976) فكانت درة قصائد العدد، إلى جانب ذلك كانت هناك بعض المجلات الثقافية أو الأدبية العامة، تخصص بعض أعدادها للشعر، كما أن هناك بعض الدوريات التي تصدر بصفة غير منتظمة خُصصتْ للشعر، ومثال على ذلك دورية «الشعر» التي أصدرها نادي الطائف الأدبي بالمملكة العربية السعودية على سبيل المثال تحت شعار «كتاب دوري يحوي نماذج من الشعر العربي السعودي الحديث»، وأعده وأشرف عليه: علي حسن العبادي، ومحمد المنصور الشقحاء. وصدر الكتاب الأول في ربيع الأول عام 1399 ه، أي في عام 1979 م تقريبا. ولم يشتمل إلا على قصائد للشعراء السعوديين فحسب، ولم نقرأ فيه دراسات أو أبحاثا عن الشعر والشعراء.)
هذه بعض الأمثلة على المجلات المتخصصة في نشر الشعر العربي والمترجم، والدراسات الشعرية والنقدية عنه سواء داخل الوطن العربي أو خارجه.

ومن خلال عرضنا السابق، نصل إلى حقيقة أن مجلة «الشعر» المصرية، ومجلة «الحركة الشعرية» التي تصدر بالعربية في المكسيك، هما المجلتان الوحيدتان الورقيتان اللتان تصدران (حاليا).

وأخيرا ننبه إلى أن الحديث عن المجلات التي اهتمت بالشعر العربي في الأمريكيتين الشمالية والجنوبية يفرض علينا أن ننصفهم بالإشارة إلى مجلتهم (الرابطة القلمية) التي كان يصدرها أدباء المهجر الشمالي مثل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وإيليا أبي ماضي ونسيب عريضة وغيرهم، كما يجب علينا هنا أن نذكر أدباء المهجر الجنوبي ومجلتهم (العُصبة الأندلسية) التي كان يُنشر على صفحاتها أدب شعراء أمريكيا الجنوبية مثل الشاعر القروي رشيد سليم الخوري وجورج صيدح وغيرهما من الشعراء الذين كان لهم السبق في هذه الأرض مثل شاعر الطيارة فوزي المعلوف الذي كتب طه حسين عن ديوانه (على بساط الريح) في جريدة السياسة الأسبوعية محمد حسين هيكل ثم جمع تلك المقالات في الجزء الثالث من كتابه (حديث الأربعاء) وأبدى إعحابه الكبير بشعره، ونوّه به أيَّما تنويه.

أما الشاعر القروي فقد عاد إلى وطنه من المهجر الجنوبي في أواخر حياته بدعوة من جمال عبد الناصر عندما أصبح رئيسا للجمهورية العربية المتحدة في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وقد كتب قبل الوصول إلى وطنه هذا البيت وأنشده في حفل تكريمه:

«بنتَ العروبة هيئي كفني
أنا عائدٌ لأموتَ في وطني»

وقد غيّر أحدُ الشعراء الحاضرين في ذلك الحفل، هذا البيت فقال له: بل قل:

«بنتَ العروبة هَيِّئِي سَكني
أنا عائدٌ لأعيشَ في وطني»

لقد عاش الشاعر القروي شبابه في بلاده ومعظم أيام حياته بائعا متجولا في البرازيل وقضى ما تبقَّى من أيام حياته معززا مكرما في وطنه، وانتقلت روحه إلى جوار ربه فيه، وضمَّ ثرى وطنه رفاتَه ، وخلف ديوانا كبيرا طبع أولا في البرازيل، وأهدى منه نسختين إحداهما للأديب محمد الحليوي وفوَّض أمرَ إهداء الثانية إلى مَن يراه أهلا لها من زملائه أو تلاميذه فأهداها إلى إبراهيم شبوح، الذي رآه وأراه أهلا لها. وللحديث بقايا عن مؤسسها وأسرة تحريرها والمشاركين فيها إلخ إلخ.




نور الدين صمود
نشر في الشروق يوم 21 - 10 - 2012

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى