د. رمضان الصباغ - الاصوليون والعسكر والثورة

1
تحالف الاصوليين والعسكر ضد الثورة
عندما انطلقت الثورة المصرية المجيدة فى الخامس والعشرين من يناير 2010 كانت التيارات الدينية تعادى الثورة – فالسلفيون والجماعات الاسلامية يصدرون الكتب واالفتاوى التى تحرم الخروج على الحاكم- وكان الاخوان كعادتهم ينظرون الى الثورة على انها مجرد مظاهرة يقوم بها الشباب الذى لاينتمى للجماعة . وكان الاخوان قد وعدوا اجهزة الامن (أمن مبارك) بعدم الخروج – بالمظاهرة – ومنع شباب الاخوان من تأييد المظاهرة . وقد التزموا بذلك حتى اليوم الثامن والعشرين من يناير حيث تأكد للجميع اننا امام ثورة عارمة وان النظام قد اوشك على الانهيار . فنحن هنا ازاء ثورة جذرية تريد ان تقتلع نظام مبارك من جذوره ويؤيدها الشعب المصرى بكل طبقاته .
حينئذ بدأت هذه التيارت الدينية الاقتراب من الثورة – وهدفها الجوهرى هو تفريغها من مضمونها والاستيلاء عليها – وخلال الفترة من 28ينايرالى 11فبراير (يوم سقوط الديكتاتور مبارك ) – كانت هذه التيارات ومنها الاخوان ؛بالاضافة الى الاحزاب المستأنسة تساوم النظام البائد وتتفاوض من اجل الحصول على بعض المكاسب الهزيلة نظير اجهاض الثورة . وحاولوا التفاوض مع الثوار ولكن الثوار واصلوا ثورتهم ولم تثنهم عن ذلك التضحيات الجسام وتمسكوا بالنضال حتى تم خلع رأس النظام . فالثوار كانوا يطالبون بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية ولذا كان رفضهم للتوريث ينهض ضمن اطار اكثر جذرية ألا وهو اجتثاث النظام من اساسه .
وفى الوقت نفسه كان العسكر بحكم تكوينهم القائم على المراتبية وعبادة الاقدمية ينظرون الى الشباب على انهم يخرجون على الشرعية وان كانوا يرون ان التفاف عامة الشعب حول الثورة بهذا الزخم مالم يكونوا يتوقعونه . ولكنهم كانوا فى نفس الوقت مستائين من النظام البائد بسبب خطواته المتسارعة نحو التوريث – الذى لوكان تم فانه يكون قد خرج على القاعدة النى كان مفادها ان يكون الرئيس من العسكريين . ولذلك تقدم المجلس العسكرى نحو المشهد مستفيدا من خلع مبارك والقضاء المبرم على التوريث ومعلنا وقوفه مع شرعية المطالب الشعبية ومطمئننا للثوار بأن نزوله للشارع انما جاء من اجل حفظ الامن وحماية المواطنين – وقد اظهرت الايام تهافت هذا الادعاء – ثم التعامل مع الثوار بمبدأ الخطوة خطوة حتى يتم احتواء الثورة وتفريغها من مضمونها بل والقضاء عليها .
اذاكان الاصوليون ( الاخوان والسلفيون ) ، والعسكر قد تلاقت مساراتهم فى تحويل الثورة التى حدثت فعلا الى مجرد اصلاح او ترميم للنظام البائد الذى يتمسكون بالابقاء عليه مع احداث تغييرات شكلية باهتة وتجريف الثورة واجهاض ماقام به الثوار وما احدثوه فى ذهنية الانسان المصرى . فان ذلك للاسباب الاتية :
( 1 ) رفض الابداع والتغيير الجذرى، والركون الى السمع والطاعة العمياء :
لقد قامت عقيدة التيارات الدينية (الاخوان – السلفيون - الجماعات -- ) على رفض الابداع والتغيير والثورة . ان الفكر الدينى يقوم على الثبات والاستقرار القائم على الجمود والسكون . فهو يستند الى فكر ماضوى ويعمل على نقله وتطبيقه كما كان يطبقه الاجداد ؛ فبالنسبة لهم قد توقفت ساعة الزمن عند العصور الوسطى ولا يرون فى الحاضر الا البدع والمروق .ولان الابداع والثورة انما ينهضان بالاساس على استيعاب روح العصر ومناهجه والمساهمة فى تطويرها وهذا ماترفضه التيارات الدينية ؛ بل لقد رفضوا الاجتهاد الذى اغلقوا ابوابه ويتمسكون بشكليات من اسوأ ماكان فى الماضى قولا وفعلا .
كذلك فان الطاعة العمياء القائمة على نوع من العلاقات الابوية لاوامر الامير او المرشد هى اساس العلاقة بين افراد جماعات التيارات الدينية الاسلامية .
وبالنسبة للمؤسسة العسكرية فانها تلتقى مع التيارات الاسلامية فى الركون الى الثبات والسكون ؛ والاستقرار القائم على رفض التغيير والنظرة الاحادية للامور والطاعة العمياء القائمة على علاقات تراتبية يخضع فيها الادنى للاعلى مهما كانت الاسياب . كذلك فان الاساس الذى تقوم عليه العلاقات داخل المؤسسة العسكرية فى جوهره يضرب بجذوره فى اعماق تقاليد قديمة تكاد تكون راسخة رغم التطور الذى طرأ على فنون الحرب والقتال . ومن هنا فان المؤسسة العسكرية تقاوم الثورة والتغيير وتجد فيهما تهديدا لاستقرارها ولاسلوبها الذى تمارس به مهامها.
(2) العداء الشديد للعلمانية والحريات الديمقراطية :
اذاكانت العلمانية تعنى التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق . بمعنى ان الامور الانسانية والتى تتعلق بالحياة اليومية والسياسة والاقتصاد والعلاقة بين الرجل والمراة – وغيرها ؛تخضع للتفكير الانسانى القائم على العقل . وان مناهج التفكير فى هذه الحياة مناهج انسانية – اى نسبية وليست مطلقة وبمعنى اخر هى دنيوية وليست دينية .
والعلمانية ليست ايديولوجيا او عقيدة بل هى طريقة حكم تفصل الدين عن السياسة فلا يكون الدين مرجعاللحياة السياسية والقانونية ،وتتجه الى الاهتمام بالامور الحياتية للبشر.
ومن الجدير بالذكر ان الامم الحديثة لاتبنى هويتها على أى من الخيارات الطائفية لان هذا يؤدى بها الى التخلف عن ركب التقدم نتيجة لفرضها الدين على الفكر والعادات والتقاليد .
العلمانية تحمى الدين من تدخل السياسة وتحمى السياسة من تدخل الدين .
والديمقراطية هى حكم الاغلبية ،ولكن اذا ادخلنا حرية التعبير اللازمة لمنافسة عادلة بين الاحزاب والتنظيمات السياسية المختلفة ؛ فان ذلك يتطلب فصل الدين عن السياسة بما يسمح للافراد سياسيين او مفكرين ان يعبروا عن ارائهم كما يضمن الدعاية بدون شعارات دينية .
ولان اساس العلملنية هو العقل ؛ فان الفكرالدينى القائم على النقل يعادى العلمانية وذلك بادعائه امتلاك الحقيقة المطلقة . واشاعة مفاهيم شائهة ومغلوطة عنها . وكذلك يعادى الديمقراطية وحرية التعبير سواء كانت فى السياسة او الفكر او الفن والادب . ويقف بعنف ضد حرية المرأة وحقوقها التى اكتسبتها بنضالها جنبا الى جنب مع الرجل .كما يرفض حرية الاضراب والاعتصام والتظاهر . وذلك لانهم يرونها – أى الاسلاميون - من بدع العصر الحديث وليس أدل على ذلك سوى موقف اغلبية مجلس الشعب الاسلامية الذى حاولوا فيه تجريم الاعتصام والتظاهر ، والفتاوى ضد الاضراب والاعتصام وذلك عندما دعا الثوار الى الاضراب فى يوم ذكرى خلع مبارك فى 11فبراير .
ويلتقى العسكر مع التيارت الدينية بعقيدته المحافظة فى رفضه للحريات الديمقراطية، وذلك لانه يعتمد على مراتبية وتسلسل للاوامر من اعلى الى اسفل دون ترك اى مجال للتفكير المستقل او حرية التعبير . كما يميل العسكر الى السكون والاستقرار ويرون فى التغيير تقويضا لهذا الاستقرار .
وهنا نجد ان العسكر والتيارات الدينية فى رفضهم للتغيير واعتناقهم لمبدأ السكون
ومعارضتهم للعقلانية ومبادىء الحرية والديمقراطية انما يمضون فى ركب افكار العصور الوسطى والقديمة وينهجون نهجا تقليديا مرتكزين على اراء بعيدة كل البعد عن العصر الحديث .
(3 ) الرغبة فى امتلاك السلطة :
لقد نشأت التيارات الدينية واقدمها الاخوان فى مواجهة الوفد والاحزاب الليبرالية والعلمانية وكانت وثيقة الصلة بالاستعمار والملك . وكانت قد اعدت نفسها لامتلاك السلطة ؛ وحاولت عدة مرات . سواء بمحاولة احتواء ثورة يوليو – تلك المحاولة التى فشلت لان الاخوان كانوا يريدون كل شىء وقام صراع عنيف انتهى بفشل الاخوان . وقد استعملت فيه القوة والاغتيالات – والمحاولات المتعددة للاخوان والجماعات الاسلامية منذ سبعينات القرن الماضى .
والان قد اتيحت الفرصة مرة اخرى للاستيلاء على الثورة وامتلاك السلطة وقد بذلوا كل مافى وسعهم حتى سيطروا تماما على السطة التشريعية "( مجلس الشعب ) .
أما بالنسبة للعسكر فقد امتلكوا السلطة منذ 60 عاما وقد نعموا بمذاقها واهمية امتلاكها وعاشوا نشو تها وفرضوا نظاما ظل راسخا طوال هذه الحقبة –منذ ثورة يوليو 1952 – وحصدوا الكثير من المزايا والمنافع المادية والادبية وهم غير راغبين فى التنازل عنها خاصة وان العسكر هم من فى السلطة الآن ويمسكون بكل الخيوط بين ايديهم – حتى بعد ان صار فى مصر هذا البرلمان .
وهكذا تلتقى رغبة التيارت الدينية الاسلامية مع رغبة العسكر فى امتلاك السلطة ، فهل يتم اقتسام السلطة أم ان هناك سيناريو آخر سوف يشهد شكلا من الصراع ، مع عدم تناسى الثوار الحقيقيين ودورهم فى الميادين وجميع طبقات الشعب خاصة ان الثورة لم تكتمل بعد .
عندما بدأت الثورة فى 25 يناير 2011 انبرت التيارات الدينية بالفتاوى ضدها وطلبوا من انصارهم مقاطعتها ورفض الاخوان الاشتراك وكذلك الاحزاب التقليدية . ولكن فى اليوم الرابع للثورة وبعد انهيا ر الشرطة وقوات الامن المركزى وقد بات النطام الحاكم فى سبيله للانهيار وهو يقدم التنازلات دون جدوى . وهنا نزل الجيش الى الشوارع والميادين وفى نفس الوقت بدأت تظهر التيارت الدينية فى المشهد . وبذلك اصبحت فى الساحة قوى ثلاث رئيسية هى الثوار والشعب بكل طبقاته الاجتماعية وشعاراته الجذرية – كقوة اولى – والمجلس العسكرى بقواته فى الميادين والشوارع –كقوة ثانية – ثم التيارات الدينية التى وجدت الفرصة سانحة للانقضاض ومحاولة احتواء الثورة –كقوة ثالثة – ويظهر فى المشهد ايضا النظام الذى يلفظ انفاسه فى 11فبراير 2011 ،والذى سوف يطلق فلوله بعد رحيل الرئيس المخلوع .
ولما كانت مطالب الثوار جذرية وهم يمتلكون القدرة على حشد الشعب . تظاهر كل من العسكر والتيارات الدينية بالموافقة عليها ولكن مع العمل الدءوب على تفريغها من مضمونها . ومن هنا بدأ التحالف بين العسكر والاسلاميين .وقد أثمر هذا التحالف العديد من المواقف المشتركة ، فساعد العسكر التيارات الدينية على الوصول الى السيطرة على مجلس الشعب باغلبية عن طريق الاعلان الدستورى المؤقت والبدء بالانتخابات وليس الدستور ( الذى تتم صياغته عبر جمعية تأسيسية تضم جميع اطياف الشعب المصرى ) .
تجاهل العسكر ( القائمون على السلطة حاليا ) لمخلفات الاحزاب الاسلامية القائمة على اساس دينى - يتعارض حتى مع الاعلان الدستورى – والتغاضى عن رفع الشعارات الدينية والطائفية وتجاوز النسب المقررة للانفاق على الدعاية الانتخابية واختراق فترات الصمت الانتخابى . والدعاية امام اللجان بالاضافة الى العديد من المخالفات الاخرى والتى كانت بالغة التأثير على النتائج النهائية لللانتخابات .
وقفت التيارات الدينية وبعض الافراد – من داخل المجلس – ضد محاسبة العسكر بشفافية عن كل ماحدث من تجاوزات للعسكر خلال الفترة الانتقالية . وقد طرح فى هذا الشأن – موضوع السلطة – فالعسكر يحكمون ولايحاكمون ويخرجون خروجا آمنا ويأتى الرئيس القادم بالتوافق بين الاسلاميين والعسكر - مما يسلب الشعب المصرى الذى ضحى بالكثير من اجل الثورة حقه الاصيل فى اختيار الرئيس ويعيدونا للعصور الوسطى - والمسيطرون على مجلس الشعب ( من الاخوان والسلفيين ومن يمضى فى ركبهم من المنافقون لمن يكون فى السلطة ) لن يحاسبوا العسكر بل وسوف يؤكدون لهم على امتيازاتهم . وذلك نظير ماقدمه العسكر للاسلاميين من دعم حتى سيطرتهم على البرلمان . وفى حالة الوصول الى رئيس توافقى – سواء اعلنوا عن الاتفاق على ذللك ام لم يعلنوا – والذى سوف يكون دوره هو المواءمة بين العسكر والاسلاميين خلال شهر العسل بينهما وسحق الثوريين .
ولكن هل يدوم التحالف بين العسكروالتيارت الدينية وفى مقدمتها الاخوان ؟
هذا هو السؤال الذى نحاول الاجابة عليه بدراسة طبيعة العلاقة بينهما .
*******
( 2 )
التوافق بين الاخوان والعسكر الى متى ؟
اذا كانت الثورة قد قامت من اجل الحريات الديمقراطية و العدالة الاجتماعية وهذا يتعارض مع ما يهدف اليه كل من العسكر، والاخوان والتيار الدينى عموما . ومن اجل ذلك كان التعاون لكى تجهض الثورة . لكن الى متى يستمر هذا التعاون ؟
يقول لنا التاريخ أن الاخوان يبدأون فى طرح مفهوم المشاركة فى السلطة ولكن سرعان ما ينقلبون على حليفهم رغبة فى الانفراد بالسلطة ، فهم لايريدون غير الكعكة كاملة .فهدفهم الاساسى هو اقامة دولة الخلافة التى يكون رأسها الخليفة المسلم. ولذا فهم يصرون فى كتاباتهم وآرائهم على ضرورة ان يكون الرئيس رجلا لا امرأة ومسلما لا مسيحيا وهذا يتعارض مع اى طرح عصرى يقبله المنطق .
والعسكر هم ايضا يريدون السلطة كاملة – وان قالوا بغير ذلك . وقد اعتادوا على ذلك منذ 1952 . كما ان مهمة العسكر تختلف عما يهدف اليه الاخوان . فاذا كان الاخوان يهدفون الى دولة الخلافة والتى اقامتها تعنى اننا نكون فى حالة حرب دائمة حتى يعم الاسلام كل المعمورة ، فان العسكر يريدون دولة مستقرة لاتوسعية والحرب لاتكون الا دفاعا عن اراضيها ، كما انهم يرغبون فى أن يكون رأس الدولة من العسكر وليس مرشدا أو له صفة دينية .
من التا ريخ نأخذ العبر . ففى ثورة يوليو 1952 دار جدل بين الثوار وا لاخوان وحاول الاخوان الاستيلاء على السلطة أو فرض وصايتهم على العسكر وكانت شروطهم تتنافى مع الاسس التى تقوم عليها الدولة العصرية وتعيدنا للعصور الوسطى ،وأن يعود العسكر الى ثكناتهم – وهو مالا يرغبه العسكر – وقد تأزمت الامور بينهم – أى الاخوان والعسكر – فكانت محاولة الاغتيال للرئيس جمال عبد الناصر بالمنشية بالاسكندرية من جانب الاخوان ، والرد بالاعتقالات من جانب العسكر .
بعد وفاة جمال عبد الناصر تولى السادات السلطة وحكم لفترة باسم عبد الناصر ثم انقلب على الناصريين الذين يشاركونه السلطةوبدأت ميوله اليمينية والاتجاه ولو بشكل حثيث نحو الولايات المتحدة الامريكية وكان اليسارممثلا فى التنظيات الشيوعية داخل الحركة العمالية والجامعات قد بدأ نشطا فى معارضة السادات وخطواته نحو الحلول الاستسلامية .وهنا تفتق ذهن محافظ اسيوط عام1971 – محمد عثمان – عن نصيحة للسادات مفادها : ان يطلق السادات الاخوان على القوى اليسارية ويساعد الجماعات الدينية على تواجدها داخل الجامعات وتوفير الدعم الامنى لها .وقد فتح السادات الباب على مصراعيه للتيارات الدينية وخرج الاخوان من السجون واحتل العديد منهم مراكز مرموقة .وعاد الهاربون من الاحكام من بلا د النفط والغرب واحتدمت المعركة بين اليسار الثورى وبين التيارات الدينية وعلى رأسها الاخوان وكانت السيطرة طوال الاعوام من 1972 الى 1977 والمظاهرات لليسار الذى كانت مظاهراته فى اعوام 1972 و1973 و1975 و1977 ( خاصة انتفاضة 18&19 يناير1977 ) هى القلق الدائم للسادات .
فى نفس الوقت لم يشارك الاخوان فى المظاهرات بل وقفوا ضدها وكان ذلك واضحا فى محاولاتهم المفضوحة فض المظاهرات أو تحويلها عن هدفها بمعاونة اجهزة الامن ولكنهم سرعان ماكانوا يكتشفون . وقد نمت الجماعات الدينية والاخوان نموا كبيرا وتغلغلوا فى صفوف الشعب خاصة الريف والمناطق الشعبية والعشوائيات حيث ينتشر الفقر والامية و الثقافة المحدودة فى احسن الاحوال. وقد انتشرت الزوايا والمطبوعات الدينية بشكل سرطانى ، ثم بدأوا فى التغلغل فى النقابات والجامعات والمدارس وغيرها فقد فتح السادات لهم كل الابواب .
ولكن ما ان احست التنظيمات الدينية بقوتها حتى جحظت عيونها باتجاه السلطة فكانت محاولة حزب التحرير الاسلامى عام 1974 – المعروفة اعلاميا بقضية الفنية العسكرية – كمحوالة ساذجة لقلب نظام الحكم .ثم كانت جماعة المسلمين (التكفير والهجرة ) والتى قامت باغتيال الشيخ الذهبى بسبب انتقاده لافكارهم عام 1977 وكذلك جماعة الجهاد وغيرها ممن مارسوا الارهاب وا لاغتيالات ، وجميعها انبثقت من الاخوان .وقد كان الاخوان يتمتعون بشرعية وسيطرة يضمنها لهم السادات نفسه ولكن الاصوليين عموما – الاخوان ،والسلفيون ، والجماعات – لايرضون باقتسام السلطة أبدا – خاصة عندما يشتد عودهم – فكان الصدام مع السادات والذى انتهى بحادث المنصة .
والحال هكذا فان الاسلاميين عموما من جهة ، والعسكر من جهة اخرى لايدوم شهر العسل بينهم طويلا . فما ان يقوى احدهم حتى يكون هدفه الاطاحة بحليفه . وعادة مايكون الصدام داميا ، وهذا مايبغضه الشعب بكل طبقاته لانه يكون مدمرا.
وفى النهاية فان الموقف الجذرى هو فى فهم تاريخية العلاقة بين العسكر والاصوليين الاسلاميين سواء على المستوى العام خلال تجارب البلدان المختلفة ،أو على مستوى التعامل مع الحالة المصرية خلال الاعوام المائة السابقة .. وذلك لان التناقض الرئيسى هو بين الثوار من جهة وبين الاصوليين الاسلاميين والعسكر من جهة اخرى .
أما العلاقة بين الاصوليين الاسلاميين والعسكر فهى علاقة مصالح مشتركة فى مواجهة الثوار فى حين ،ثم هى علاقة تناقض فى المصالح عندما يتطلع احدهما للانفراد بالسلطة وجنى كل الثمار لصالحه .
أما اذ لم يصل احدهما الى وضع مسيطر تماما فانه يظل فى حاجة للاخر مع استمرار المناورات بين الطرفين . وقد يغازل احدهما بعض الثوار وذلك فى ايهام حليفه أنه يمكنه أن يتجه الوجهة الاخرى – أى يقف مع الثوار – فيكف الطرف الاخر عن المناورات ويعود الى حظيرة الحليف ثانية . وبناء على ماسيق فان مانراه احيانا من بعض أفراد التيار الاصولى من أفكار أقل شوفينية وتعصب ،أو من بعض بيانات العسكر الغامضة، ليس الا من قبيل المناورات .
ولذا فان الثوار الذين حملوا عبء الثورة وقدموا التضحيات الغالية لن تمر عليهم هذه المناورات ولسوف يستمر الثوار فى ميادينهم بشرعيتهم الثورية معبرين عن مطالب الجماهير العريضة من الشعب المصرى وطموحاته للحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة ، بعيدا عن المساومات الانتهازية والتحركات المشبوهة ، من أجل اتمام مهام الثورة الجذرية حتى النهاية .
وأخيرا فان ترك الساحة للاصوليين والعسكر لن يسفر الا عن عواقب وخيمة ، وقد نحتاج الى عقود من الزمن وثورة أخرى ولنبدأ من نقطة الصفر أو ما قبل الصفر ، وهذا يتوقف على ماقاموا به وما نتج عن صراعاتهم وما نفذوه من برامجهم .
أن تستكمل الثورة ، وتقام الدولة العلمانية الديموقراطية وتتحقق جميع اهدافها هو ما لا مفر منه اذا أردناأن تكون مصر أمه متقدمة وذات شأن بين الامم . وانها لفرصة سانحة لان تستعيد مصر مكانتها ووضعها الطبيعى بين الامم وتخرج من شرنقة التخلف التى فرضتها الدكتاتورية والقوى الظلامية .
د.رمضان الصباغ



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى