ياسر أنور - المعنى وتصوير المعنى.. إلى شعراء العامية (1)

(1)
لدىّ اعتقاد راسخ بأن شعر الفصحى وشعر العامية يمثلان رقما مهما في معادلة الإبداع الأدبي، وأنهما يستطيعان معا أن يقفا أمام محاولات تشويه الذائقة ، وسط هذا الطوفان من موجات الانحدار في المستوى الفني و الأدبي. وعلى شعراء العامية أن يتحرروا من القوالب الإبداعية الجاهزة التي فقدت كثيرا من توهجها لأسباب كثيرة ، منها ذلك التكرار والتشابه في المعاني و التقنيات. صحيح أنه ما زال هناك شعراء عامية لديهم قدرة ملحوظة على الابتكار والتجديد والخروج من الأطر المألوفة ، لكنهم قليلون وسط هذا الزحام من الشعراء. و لكي يستطيع شعراء العامية مواصلة الحضور الشعري، فعليهم أن يعيدوا الاعتبار إلى الصورة الشعرية التي تخلوا عنها لحساب التراكيب السهلة التي تستند إلى المفارقة و ( الأفيهات) التقليدية. إن التجديد في المعاني عملية صعبة ، ولا تتاح إلا لشاعر لديه ثقافة واسعة ، وقراءات متنوعة ، أما التجديد في الصورة الشعرية ، فهو يحتاج فقط إلى تدريب و إدراك لملامح تكوينها. و سأحاول هنا أن أقدم أمثلة للقارئ للمقارنة بين التراكيب السهلة المقولبة التي فقدت دهشتها، فأصبحت باردة وعاجزة عن إثارة العاطفة والشعور لدى المتلقي، وبين نفس المعاني ولكن بطريقة تصويرية ، لندرك الفارق بين (المعنى) و(تصوير المعنى):[/HEADING]
فإذا قال شاعر العامية مثلا :
وضاع حلمي سنين وياك (بحر الوافر)
فهذا تعبير لا يحرك أي مساحة في وجدان المتلقي ، لأنه جملة باهتة ذابلة ، أما إذا قال (مثلا) :
و شاب حلمي ، و خدّ العمر مشقوقة تجاعيده
فهنا ، تستطيع الصورة أن توقظ الدهشة الوجدانية ، وأن تشعل حرارة الإحساس لدى المتلقي.
و إذا قال مثلا شاعر العامية
انت خاين زي عادتك
فهذا كلام عادي ، ومعنى تقليدي ينبغي ألا يقال.
أما إذا قال مثلا :
صهد روحك في شبابيك الخيانة
فالصورة هنا تحرك ركود المشاعر لدى القارئ
وبهذه الطريقة (تحويل المعنى) إلى عملية (تصوير للمعنى)، يستطيع شاعر العامية أن يحافظ على توهج مساحات الجمال عند قارئه، فلا يفلت منه، ولا يمل من كلامه المكرر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى