أ. د. عادل الأسطة - من يتذكر تاي؟ من يتذكر معين بسيسو؟

في العام الماضي انشغلت بإنجاز كتاب " الفلسطيني في الرواية العربية " ودرست فيه رواية السوري ياسين رفاعية " من يتذكر تاي؟ " ، فقد كتب فيها عن معين بسيسو وكمال ناصر وغسان كنفاني . شغلت الكتابة عن معين تفكيري ، بخاصة ما ورد في الرواية عن ريتا الفلسطينية اللاجئة طالبة الصحافة في جامعة دمشق التي توسط لها معين ، لعلاقته بعمها ، للعمل في الجريدة التي كان يحرر فيها في دمشق ، ريتا التي اغتصبها وزير داخلية سوري فعهرها ما دفعها إلى الانتحار . أفضت ريتا ، قبل وفاتها ، لمعين بما حدث معها ، وقد دفعني هذا إلى أن أعيد قراءة أشعاره وأبحث عن ريتا فيها ، كما دفعني إلى البحث عن وزير الداخلية المنتحر ، فبحثت في محرك البحث ( غوغل ) وراسلت أصدقاء لي للتأكد من اسمه ، فعثرت على اسمي وزير داخلية انتحرا ؛ الأول هو عبد الكريم الجندي والثاني هو محمد عيد عشاوي ، وأغلب الظن أن الثاني هو مرتكب الاغتصاب .
وأنا أبحث عن صورة ريتا ذهبت إلى عالم آخر هو عالم معين بسيسو الشعري ؛ موضوعاته وقاموسه اللغوي وما كان يؤرق الشعراء في ٥٠ و ٦٠ و ٧٠ القرن ٢٠ ، بل وذهبت إلى ما هو أبعد ، فأخذت أقارن بين شعر تلك المرحلة والشعر الذي يكتب في أيامنا، وتساءلت :
- ماذا لو أجرى المرء دراسة في أشعار معين من ناحية وأشعار غسان زقطان وزكريا محمد التي كتباها في العقود الثلاثة الأخيرة من حيث الموضوع والشكل والالتفات إلى القاريء وتلقيه لأشعارهم ؟
تتطلب الإجابة عن التساؤل تحديد موقف من الشعر وإمعان نظر طويل فيه وإلمام بنظرية التلقي ومقولة " أفق التوقع " و ... و ... وهذا ما لا تحتمله مقالة ، ولكن قاريء أشعار الشعراء الثلاثة سيلحظ هوة سحيقة بينها تعود إلى تغير طبيعة العصر وإلى اختلاف مفهوم الشعر لدى كل شاعر .
في الأسبوع الماضي أدرجت على صفحتي في ( الفيسبوك ) قصيدة معين " المطاردة " ، وتتمحور حول الجوسسة وتتسم بالوضوح والمباشرة ، فعقب عليها قراء عديدون رأوا أنها كتابة سياسية تخلو من الشعر ، فأوضحت لهم أنها من الشعر السياسي ، وقد عرفه الشعر العربي .
والحق يقال إن أشعار معين خير تعبير عن عصره وعما كان يشغله ، فهو شاعر وسياسي في الوقت نفسه ، وهو أيضا شاعر أيديولوجي قرأ الأدب الثوري العالمي وتأثر فيه تأثرا واضحا ، ولا تخلو أشعاره من قصائد خص بها أبرز رموز الشعر العالمي في القرن ٢٠ ، من ناظم حكمت وماياكوفسكي ولوركا وبابلونيرودا إلى شعراء المقاومة العالمية .
ولكون معين شاعرا وسياسيا أنفق في السجون سنوات عديدة وقاد المظاهرات في غزة ضد مشروع توطين اللاجئين، فقد جاء شعره على غرار حياته ؛ جاء شعرا جماهيريا واضحا مباشرا مقاوما ذا قاموس شعري مختلف تماما عن القاموس الشعري لكل من زقطان ومحمد ، هذا عدا ما ذكرت بخصوص الوضوح والمباشرة والاحتفال بالشعار والخطاب السياسي وربما التنظير لمفهوم الشعر والشاعر أيضا .
ثمة دوال في شعره يكثر تردادها تتطلب حقا دراسة إحصائية لها : الوطن والثورة والمخبر والحبر والشعر والشاعر والعصفور والسمكة والأصابع والأيدي و الإبحار والسفر والجماهير تكاد لا تخلو منها مجموعة من مجموعاته ، وهذه كلها في النهاية نابعة من فكرة الشاعر الايديولوجي الملتزم الذي يسخر شعره لخدمة قضيته وجماهيره التي يدافع عنها . إن التمييز بين شاعر وشاعر شغلت ذهنه وتفكيره في قصائده لا خارجها وحسب ، ولا أعرف إن كان هناك دارس أنجز عن معين دراسة على غرار دراستي " الشاعر ، من خلال شعره ، منظرا للشعر : محمود درويش مثالا " . لا يعني هذا أن زقطان ومحمد لم ينظرا للشعر ، فالثاني غالبا ما يعبر في نثره عن مفهومه للشعر وله آراء جريئة في ذلك .
ولأن المساحة محدودة فسوف أتوقف أمام أنواع الشعراء كما كتب عنهم معين .
إذا كان بعض النقاد العرب القدامى قالوا إن الشعراء ثلاثة ؛ شاعر وشويعر وشعرور ، فإن معين ينظر إلى أنواع الشعراء من منظور آخر هو الالتزام بالهم العام والموقف من النظام والجماهير والثورة ويراهم أنواعا :
" الله ... ثلاثة شعراء
الأول مات يدافع عن " سيف " الدولة
والثاني مات يدافع عن " طبل " الدولة
والثالث عاش يدافع عن " أحذية " الدولة
والرابع من ... ؟!" ( عزف منفرد ).
وقد كتب قصائد عن كل واحد من هؤلاء وخص كما ذكرت الشاعر الثوري الملتزم ، ويدرج نفسه تحت هذا النوع ،بمساحة واسعة .
ويمكن أن ينظر المرء في قصيدتي " قصيدة فوق الجدار " و " قصيدة على سيف البحتري " ليرى الفرق بين شاعر يقاوم يكتب قصيدته على الجدران فيجبره الحاكم على محوها بأصابع يديه وشاعر مخبر شرير يضاجع الدينار وهو واقف كأن قلبه دينار .
المساحة محدودة والكتابة تطول ولعلني أقارب القصيدتين في ذكرى رحيل معين ال ٣٨ التي تصادف الثالث والعشرين من هذا الشهر .
الأربعاء والسبت
١٢ و١٥ كانون الثاني ٢٠٢٢ .





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى