محمد السلاموني - الثقافة العربية بين الشفاهية والكتابية

بادئ ذى بدء- "الكتابية" لا تعنى فقط تحويل الأصوات إلى حروف مكتوبة، أى أنها لا تعنى البحث عن معادل كتابى أو بصرى للأصوات المنطوقة ، بقدر ما تعنى تحويل البنية اللغوية الشفاهية إلى بنية لغوية كتابية. وهو ما يعنى أننا نصير بصدد تحويل شامل فى طرق عمل الذهن؛ كالإدراك والتمثل.
وبالعودة إلى التحول اللغوى العربى من الشفاهية إلى الكتابية، سنجد أن "القرآن الكريم" نزل على "محمد ص" بلهجة قريش، فى زمن لم يعرف التمييز بين الشفاهية والكتابية. أى أن "لغة القرآن"- بالنسبة إلى زمن النزول- تعد "لغة شفاهية".
وما حدث بعد ذلك هو أنه تم اعتماد تلك اللغة كنموذج أعلى للغة العربية، مما حولها- هى نفسها- من "الشفاهية" إلى "الكتابية"- وهذا يعود إلى تعدد واختلاف لغات الموالى فى البلاد المفتوحة.
الملحوظة هنا تتمحور حول الكيفية التى تم بها اعتماد اللغة الشفاهية القرشية باعتبارها هى نفسها اللغة الكتابية العربية.
وهو ما يجعلنا نتساءل:
هل يكتب العرب، منذ انتشار العربية القرآنية إلى الآن، لغة شفاهية "ومن ثم يفكرون بآليات ذهنية شفاهية" معتمدة كآليات ذهنية كتابية؟.
وبتعبير آخر، ألا يعنى هذا أن العقل العربى لم يزل إلى الآن يفكر على نحو شفاهى بينما يكتب- أعنى أنه لم يزل يدرك ويتمثل العالم على نحو شفاهى؟.
إن صح ما ذهبت إليه، فهو يعنى أن المنظرين العرب وقعوا فى خلط فادح بين "التاريخى والبنيوى"؛ أى بين تاريخ اللغة العربية "ذلك التاريخ الذى تحولت فيه لهجة قريش الشفاهية إلى لغة كتابية"، وبين بنيتها الشفاهية، إذ طابقوا بينهما.
// سبر غور ذلك الخلط ، ربما أضاء لنا الكثير من عتمات العقل العربى فى تفاعلاته العديدة والمختلفة والمتنوعة مع العالم من خلال اللغة.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى