د. سيد شعبان - خلال العصور الوسطى استعمل الرومان والأورپيون كلمة سراسين تسمية للمسلمين.

يتناول الكثير من كتّاب التاريخ في يومنا الراهن مصطلح ”سراسين“ بشكل خاطئ ومؤذي لسرد التاريخ، وجميعهم يكرّر عبارة ويكيپيديا في أنّ أصل مصطلح سراسين اللاتيني في وصف المسلمين غامض وغير معروف. ثمّ يكرّر البعض الآخر ما شطح به خيال الأميركي من أصل فلسطيني ”عرفان شهيد“ (عرفان قعوار) في ربط تسمية سراسين بكلمة سرّاقين العربية، مدّعياً سبباً عنصرياً يسمح له بنسج تاريخ للعرب يمتهنون فيه اللّصوصية والنهب مقابل سمو الحضارة البيزنطية.
وعلى منوال نظرة عرفان شهيد المؤامراتية، ينسج كتّاب التاريخ اليوم فرضيات خيالية هي الأخرى عن وصم المسيحيّين للمسلمين بالسرّاقين. ما ولّد باعتقادهم مصطلح سراسين، لكأنّ اللاتين والروم أهل الفصاحة بالعربية. ويذهب البعض الآخر إلى فرضيّات تربط كلمة سراسين بسارة الأسطورة، ويفترضون نسبة العرب إلى أمهم سارة، دون الرجوع مرّة واحدة إلى معجم إغريقي يشرح مصدر الكلمة ومعناها.
السراسين تسمية لا ترتبط بالمسلمين، إنّما هي لفظة وُلدت خلال العصر الهيليني قبل وجود الإسلام والمسيحية، ثمّ استعملها البيزنطيّون للإشارة إلى العرب المسيحيّين حصراً دون غيرهم من العرب، وكان هذا قبل تحوّل البيزنطيين أنفسهم إلى المسيحية. وبعد تحوّل المسيحيين العرب إلى الإسلام استمرّت تسمية سراسين تشير إلى هؤلاء العرب، دون غيرهم.
مصدر كلمة سراسين في التراث العربي والأوروپي هو كلمة Saraceni اللاتينية، ولفظها الأصلي سراچيني صفة نسبة عن اسم سراچين. هذه الكلمة اللاتينية منحولة عن الكلمة الإغريقية Σαρακηνοί سَرَكيني التي تعني حرفياً ”سكّان البلاد الشرقية“ Σαρακήνη سَرَكنّي.
القدّيس هِپّوليتُس Hippolytus (هيبوليتوس الرومي) من القرن الثاني هو عالم عقيدة مسيحي ومؤرّخ من الپنطس (وسط تركيا المعاصرة) وعاش داعياً الناس للمسيحية في مدينة روما. ترك هِپّوليتُس كتاباً بالإغريقية يتحدّث فيه عن سكّان شبه الجزيرة العربية ورد فيه تقسم العرب إلى ثلاثة شعوب: الطائيّين Taeni، والسراسين Saraceni، والعرب Arabes.
عرّف هِپّوليتُس عرب طي بأنّهم ينتمون إلى خيبر شمال يثرب ويتمدّدون منها حتى نهر الفرات، وسمّاهم يهود العربيّة. كما عرّف السراسين بأنّهم يستوطنون الأراضي إلى الشمال من طي، من شمال الحجاز حتى سوريا، وتحدّث عن قدراتهم العسكرية العالية وبأنّهم يناهضون روما ويرفضون الخضوع للإمبراطورية؛ لذا سمّاهم الرومان ”بربر“. بينما قال أن العرب هم سكّان البلاد إلى الجنوب من طيء والسراسين.
كلام القدّيس هِپّوليتُس يُكرّره ملك حمص منتصف القرن الثالث ”لوقى أُرانيُس أنطونيُس“ Lucius Julius Aurelius Sulpicius Severus Uranius Antoninus، وحكم لوقى أبرشية المشرق بكاملها آنذاك وتحالف مع الرومان في حرب الساسان. وسُكّت نقود حمص تحمل صورته باسم أُرانيُس Uranius.
قبل الرومان حكمت مصر الأسرة الپطلمية، وهذه الأسرة بدأت وقادت من مدينة الإسكندرية الفترة الهيلينية والثقافة الهيلينية كلّها، كما نتجت عنها اللّغة الكوينية التي استعملها إغريق وعرب المشرق لغة للثقافة والعلوم. أطلق الپطالمة على سكان البلد شرق مصر تسمية ”سَرَكيني“ Σαρακηνή ووردت التسمية في تدوينات الجغرافي ”كلوديوس بطليموس“ Κλαύδιος Πτολεμαῖος الذي عاش خلال القرن الثاني. شرح بطليموس أنّ السَرَكيني يسكنون البلاد من سيناء وما بعدها شرقاً في شمال شبه الجزيرة العربية. ويشرح كذلك أنّ التسمية مستنبطة من اسم جهة الشرق ”سَرَكي“ Σαρακη.
هكذا انتهت المسألة، كلمة سراسين منحولة أساساً عن سَرَكيني الإغريقية الكوينية، المنحولة عن اسم جهة الشرق، بالتالي يكون معناها ببساطة الشرقيين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مؤنس بخاري لمجموعة أطلس الخرائط.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى