خالد محمد مندور - الجدل

الجدل ليس المجدول بل هو رؤية فلسفية ، والغريب والعجيب ان هذه الرؤية تجدها جزءا من التيارين الاساسين في الفلسفة ، المادية والمثالية ولم يتوقف الجدل عن التطور وغزو كل الاتجاهات الفلسفية الوسطية منذ ظهور الفلسفة اليونانية القديمة.
ولكن الغريب كذلك ان الكثير ممن يتبنى المنطق الجدلي لا يتبناه في حقيقة الامر لأنه لا ينظر الى الظواهر الاجتماعية وفق هذا الجدل ، فلا يرى التغييرات في حركتها وتناقضاتها ولحظات التغيير النوعية ، والأكثر فداحة انه من الممكن الا ينظر الى التغييرات باعتبارها شيئا مستقلا عن وعيه بها بل مجرد انعكاس لهذا الوعى ، وعندها يصبح من المستحيل الوصول الى فهم مشترك ، ويزداد الامر فداحة حين تسيطر مثل هذه الرؤية فيعجز أصحابها عن رؤية التغييرات ولا يبحثون عنها ، تغييرات لابد من رؤيتها سبيلا وحيدا لتقدير اتجاهات التغيير وحدوده وافاقة .
ولكى أكون أكثر صراحة فان النقاش بين من يتبنى " نتائج " نهائية مختلفة ، برغم الادعاء بتبني المنطق الجدلي ، ينحط الى مستوى مناقشة النتائج التي يصبح تبنيها اختيارا أخلاقيا نابع من العقل الذى " يفنكر " ولا يحلل. و ليذهب الجدل الى الجحيم أو يعلق على جدران غرف المكاتب للتباهي به.
ولذلك فان من يريد حقا ان يصل الى فهم صحيح لما اكتبه أن يتوقف أولا على جدل المكتوب وليس نتائجه ، فالنتائج تتغير بتغيير الواقع ولكنها لا تتغير بعيدا عن التصورات القائمة على دراسة الواقع بدقة وفق المنهج الجدلي ، ولكن لا احد يأتيه وحى من السماء بل هو مجرد جهد أنساني يصيب ويخطئ .
ولذلك اكرر لا تبحث عن النتائج أولا بل عن المنهج وبعدها وبعدها فقط قيم تطبيق المنهج والنتائج التي وصل اليها في لحظة معينة لأنها ستتغير في لحظة تالية ، ولا يقصد بالحظة هنا الزمن اللحظي الصغير بل الزمن التاريخي الذى يقدر بالسنوات.




المفكر في بوابة الجحيم لرودان
1643186636237.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى