أ. د. لطفي مَنْصُور - "هَلْ لُغَةُ القُرْآن وَالشِّعْرِ الْجاهِلِيِّ هِيَ لُغَةُ قُرَيْشٍ"؟

هَذا اسْتِفْهامٌ إنْكارِيٌّ قَالَ بِهِ الدُّكْتور طهَ حُسَيْن في كِتابِهِ "في الشِّعْرِ الْجاهِلِي"، فَكَأَنَّهُ يُنْكِرُ ذَلِكَ. أَرَدْتُ بِهَذِهِ الْكَلِماتِ أنْ أَعْرِضَ عَلَيْكُم ثَلاثَ دَلالاتٍ، لَمْ يَذْكُرْهَا الدُّكتور طَهَ، تُثْبِتُ أَنَّ لُغَةَ الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ الجاهِلِيِّ هِيَ لُغَةُ قُرَيْشٍ.
- الدَّلالَةُ الأُولَى: في مَعْرَكَةِ بَدْرٍ كانَتْ نِساءُ قُرَيْشٍ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ، وَهِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ تُغَنَّيهِنَّ رَجَزًا شَعْبِيًّا، لِيُثِرْنَ الْحَماسَةَ وَالشَّجاعَةَ عِنْدَ رِجالِهِنَّ الْمُقاتِلِينَ. وَهَذا الغِناءِ فَصِيحٌ، مِمَّا يُثْبِتُ أَنَّ هَذِهِ اللُّغَةَ هيَ لُغَةُ قُرِيشٍ. إليكم القِطْعَةَ الْحَماسِيَّةَ: من الرَّجَزِ أو مَنْهوكِ المُنْسَرِح:
نَحْنُ بَناتُ طارِقْ = نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ
مَشْيَ الْقَطا الْمُوانِقْ = قَيْدِي مَعَ الْمُفارِقْ
وَمَنْ أَبَى نُفارِقْ = إنْ تُقْبِلُوا نُعانِقْ
أوْ تُدْبِرُوا نُفارِقْ = فِراقَ غَيْرِ وَامِقْ
هَلْ مِنْ كرِيمٍ عاشِقْ = يَحْمِي عَنِ الْعَوانِقْ
وَالْمِسْكَ في الْمَفارِقْ = وَالدُّرُّ في الْمَخانِقْ
(طارق: كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْجَميل (الزُّهْرَة) كانَتْ تُعْبَدُ في مَكَّةَ قَبْلَ الإسْلام؛ النَّمارِقُ جَمْعُ نُمْرُقَةٍ، وهي البِساطُ الْمُوَشَّى؛ الْمُوانِق: الجميلُ وهي صِفَةٌ لِمَشْيِ الْقَطَا، الإقْبالُ: مُلاقاةُ الْعَدُوِّ، والإدْبار الانهزَام؛ الْعَوانِقُ هي الأَعْناق؛ المَفارِقُ: مَفْرَقُ الشَّعْرِ تُدْهَنُ بِالطِّيب، الْمَخانِق: النُّحُور كانت تُزَيَّنُ بِالدُّرِّ.
- الدَّلالَة الثّانِيَةُ: الْحِوار الذي جَرَى بينَ النَّبِيِّ وَعائِشَةَ. فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عائِشَةَ قَدْ تَأَخَّرَتْ يَوْمًا عَنِ الرُّجُوعِ، فَسَأَلَها النَّبِيُّ: أَيْنَ كُنْتِ؟ قَالَتْ في عُرْسٍ في دارِ فُلانَ. قالَ: ماذا قُلْتُمْ؟ قالَتْ: لَمْ نَقُلْ شَيئًا. قالَ هَلَّا قُلْتُم: من الهَزَج
أَتَيْناكُمْ أَتَيْناكُمْ فَحَيَّانا وَحَيَّاكُمْ
ولَوْلَا الْحَبَّةُ السَّمْرَا
لَمْ نَحْلُلْ بِوادِيكُمْ
فهذِهِ اللُّغَةُ شَعْبِيَّةٌ فَصيحَةٌ تَكَلَّمَ بِها النَّبِيُّ مَعَ أُمِّ المُؤْمِنينَ عائِشَةَ.
- الدَّلالَةُ الثّالِثَةُ: قَالَها عُثْمانُ بنُ عَفَّانَ لِلْأَعْضاءِ الْقُرَشِيِّينَ في لجنة جَمْعِ القُرآنِ: إذا اختَلَفْتُمْ أَنتمْ مَعَ َزِيْدٍ (زيد بن ثابتٍ الأَنْصاري) في شَيْءٍ مِنَ الْقُرآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، فَإنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ بِها. وهَلْ هُناكَ بُرْهانٌ أَكْثَرُ سُطُوعٍا مِنْ هَذا القَوْل، فَلِماذا التَّشَكُّك؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى