محمد السلاموني - الطفل ريان: الشفقة الطبيعية والشفقة الثقافية"

بعيدا عن المسكوكات العاطفية المتداولة، التعاطف مع الضعفاء "أطفال، شيوخ، مرضى، نساء، معاقين، مساكين... إلخ"، مجرد انفعال آلى، لا يعنى شيئا فى ذاته... ويستمد معناه الحقيقى من السياق العام المؤطر له؛ أى من مجمل علاقاته بغيره من الظواهر المحيطة به.
السياق العام الراهن المؤطر لوجودنا، يقول إن أحدا- أو الغالبية العظمى من الناس على الأقل- لا يعنيه شيئا الآن سوى نفسه فقط ؛ أقول "نفسه"، ولا أقول "القيم، أو الإنسانية..."، ذلك أن "الأنسان المعاصر" لم يعد يرى أبعد من قدميه، واعتاد على أن يقيس الأمور بالنسبة لنفسه فقط / كأن يفترض- مثلا- أن "الطفل ريان" طفله هو ...
إحتمال وقوع كوارث نتيجة للإهمال العام، وانعدام المسئولية، وتفشى الفساد، وارد تماما فى كل لحظة، وهو ما يعنى أن "السيف مسَلَّط على رقاب الجميع"... لذا، من الطبيعى تماما أن يشعر كل منا بأن الكارثة التى أصابت الآخرين قد تصيبه...
هذا الشعور، يتأسس على "تَخَارُج"؛ تخارُجى من نفسى فى آخر، أو "تَمَثُّلى"؛ أتمثل نفسى فى شخص آخر، ومن ثم فى احتمالية أن ألاقى نفس المصير.
هذا الشعور الناتج عن "التَّخارج أو التَّمَثُّل"، آلية طبيعية تماما؛ "أعنى أنه شعور قديم جدا، وملازم لنا جميعا"، ومع ذلك، أو لذلك تحديدا، فهو الحد الأدنى "الطبيعى" الذى نستجيب به للكوارث التى تصيب الآخرين؛ الذين يشبهوننا...
الطبيعة لا تعرف القِيَم، وهو ما يعنى أن "القِيَم" نتاج إنسانى "ثقافى، حضارى"، من هنا كانت "الثقافة" أرقى من الطبيعة بما لا يوصف...
/ الأن، انتهت الثقافة، أو تم تزييف الثقافة "كمنظومة من القِيَم"، غير أن منجزاتها التاريخية
التى تم إفراغها من محتوياتها الحضارية، صارت تستعمَل كمسمَّيات فقط ، وتُطلق على "ما هو طبيعى"...
/ تلك الوضعية، التى انفصل فيها الإنسان عن تاريخه الثقافى، والتى هى وضعيتنا الراهنة، مزرية فى الحقيقة، وتدعو للشفقة الثقافية، أكثر من مجرد الشفقة الطبيعية على الطفل ريان.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى