لم يكن غجريا، ولم أكن راقصة فلامنكو، ولكنه كان يعزف على جيتاره، ويغني جورج براسانس بلهفة غجري يعبر بعزفه المدن والقرى والكهوف والغابات باتجاه المجهول. وكنت أستمع إليه بحرارة راقصة فلامنكو، ترتدي فستانا بتنورة واسعة وألوان زاهية. تعلن احتفاء صاخبا بالحياة. ترقص... ترقص بكل جسدها، وتضرب بكعبها العالي ضربات قوية... توقظ أسرار الأرض. تختزل الماضي والحاضر والمستقبل في ضربة كعب واحدة، وضربة قلب واحدة. وحده الفن يعرف كيف يختزل حياة بأسرها في ضربة قلب واحدة.
2
فنيس لؤلؤة غارقة في الماء وقصص حب عتيقة، سرها الفضي وقواربها التي لا تقاوم، أغرتني بقبول دعوة ريناتا لزيارة المدينة العائمة. كانت رحلتنا بالسيارة صاخبة. على أغاني جورج براسانس تحدثنا طويلا عن الحب، وعن عازف الجيتار في ذلك اليوم البعيد من العين… القريب جدا من القلب.
ما زلت أذكر ريناتا وقد زينت الحديقة ببالونات ملونة.. وفيها البرتقالي والبنفسجي والأخضر والأصفر وتلك التي بلون السماء، ولم أعرف كيف خطر ببالها أن ترسم بلون باستيلي أسود أسفل كل بالونة دوائر سوداء. صرخت ضاحكة بهذه الدوائر في الأسفل ستشبه البالونات نهد الأم .
كان عازف الجيتار يغني… وينظر إلي نظرات ملتهبة محمومة عنيفة… ينتقل بعينيه من عيني إلى شفتي… ثم إلى فستاني الأسود المكشوف الذراعين… فياقته المفتوحة على عنقي العاري… إلى أن يستقر بنظره في المسافة الرهيفة جدا بين النهدين.
السيارة تعبر بنا إلى فنيس ونحن نتحدث عن الحب، وكيف يزرع أغصانه الطرية فينا، حين نمسك بنهد الأم لأول مرة. فتغدو الروح ملكة تقود أسراب النحل إلى أسرار العسل. نصبح أبطالا وأطفالا » ملائكة وشياطين. نصبح ملوكا على الأرض، لا تاج يعلو على تاجنا ولا عرش يضاهي جمال ذلك النهد.
قلت لريتانا لو كان بإمكاننا أن نمسك بنشوة تلك اللحظة. لحظة الإمساك بنهد الأم، من يدري؟ ربما لأصبحت كل أحلامنا قادرة على التحقق ضحكت طويلا… وغابت… سألتها أين ذهبت؟ أحاول أن أمسك بنهد الأم هكذا أجابت… وهي تتابع بشرود دخان سيجارته… يبتعد أكثر فأكثر… ويقترب أكثر فأكثر.
3
عازف الجيتار مازال يغني…وتلك المسافة المكشوفة بين النهدين تخيلتها معه حوض حليب صاف… تنبت فيه زهور ياسمين صغيرة…كان ينظر إليها… وإلى نهدي البارز تحت الفستان الحريري الأسود. كنت أنظر إلى البالونات وأتخيل نهد أمي. أعود طفلة تلتصق بنهد الأم، تمتص منه الحليب. تتساقط قطرات الحليب العذبة من فمي الصغير ومن نهد أمي المضيء. أحس أنني سعيدة جدا جدا.أغيب في أحلامي… وأتساءل لماذا يحرك فينا النهد كل هذا الحنين الجارف؟
4
سألت ريناتا كيف يغني للعابرات وينظر لامرأة واحدة؟
أجابت كل النساء بمن فيهن المعشوقات بجنون, هن مجرد جسور عابرة يستعيد بها الرجل نهد الأم .
5
هو الآن يغني العابرات تقول كلمات الأغنية أهدي هذه القصيدة للنساء اللواتي نحبهن في لحظات عابرة… اللواتي يبرزن من النافذة للحظات …اللواتي يرافقننا في سفر …
أحس رغبته في تزداد عنفا… أتخيله يفك الأزرار الخلفية لفستاني الأسود، ثم بيد مرتعشة يزيح سوتياني الوردي. يتهدج صوته أكثر. ترتعش يده أكثر وهو يمسك نهدي بقدسية ويغني للعابرات.
لوحة للفنان راكان دبدوب
2
فنيس لؤلؤة غارقة في الماء وقصص حب عتيقة، سرها الفضي وقواربها التي لا تقاوم، أغرتني بقبول دعوة ريناتا لزيارة المدينة العائمة. كانت رحلتنا بالسيارة صاخبة. على أغاني جورج براسانس تحدثنا طويلا عن الحب، وعن عازف الجيتار في ذلك اليوم البعيد من العين… القريب جدا من القلب.
ما زلت أذكر ريناتا وقد زينت الحديقة ببالونات ملونة.. وفيها البرتقالي والبنفسجي والأخضر والأصفر وتلك التي بلون السماء، ولم أعرف كيف خطر ببالها أن ترسم بلون باستيلي أسود أسفل كل بالونة دوائر سوداء. صرخت ضاحكة بهذه الدوائر في الأسفل ستشبه البالونات نهد الأم .
كان عازف الجيتار يغني… وينظر إلي نظرات ملتهبة محمومة عنيفة… ينتقل بعينيه من عيني إلى شفتي… ثم إلى فستاني الأسود المكشوف الذراعين… فياقته المفتوحة على عنقي العاري… إلى أن يستقر بنظره في المسافة الرهيفة جدا بين النهدين.
السيارة تعبر بنا إلى فنيس ونحن نتحدث عن الحب، وكيف يزرع أغصانه الطرية فينا، حين نمسك بنهد الأم لأول مرة. فتغدو الروح ملكة تقود أسراب النحل إلى أسرار العسل. نصبح أبطالا وأطفالا » ملائكة وشياطين. نصبح ملوكا على الأرض، لا تاج يعلو على تاجنا ولا عرش يضاهي جمال ذلك النهد.
قلت لريتانا لو كان بإمكاننا أن نمسك بنشوة تلك اللحظة. لحظة الإمساك بنهد الأم، من يدري؟ ربما لأصبحت كل أحلامنا قادرة على التحقق ضحكت طويلا… وغابت… سألتها أين ذهبت؟ أحاول أن أمسك بنهد الأم هكذا أجابت… وهي تتابع بشرود دخان سيجارته… يبتعد أكثر فأكثر… ويقترب أكثر فأكثر.
3
عازف الجيتار مازال يغني…وتلك المسافة المكشوفة بين النهدين تخيلتها معه حوض حليب صاف… تنبت فيه زهور ياسمين صغيرة…كان ينظر إليها… وإلى نهدي البارز تحت الفستان الحريري الأسود. كنت أنظر إلى البالونات وأتخيل نهد أمي. أعود طفلة تلتصق بنهد الأم، تمتص منه الحليب. تتساقط قطرات الحليب العذبة من فمي الصغير ومن نهد أمي المضيء. أحس أنني سعيدة جدا جدا.أغيب في أحلامي… وأتساءل لماذا يحرك فينا النهد كل هذا الحنين الجارف؟
4
سألت ريناتا كيف يغني للعابرات وينظر لامرأة واحدة؟
أجابت كل النساء بمن فيهن المعشوقات بجنون, هن مجرد جسور عابرة يستعيد بها الرجل نهد الأم .
5
هو الآن يغني العابرات تقول كلمات الأغنية أهدي هذه القصيدة للنساء اللواتي نحبهن في لحظات عابرة… اللواتي يبرزن من النافذة للحظات …اللواتي يرافقننا في سفر …
أحس رغبته في تزداد عنفا… أتخيله يفك الأزرار الخلفية لفستاني الأسود، ثم بيد مرتعشة يزيح سوتياني الوردي. يتهدج صوته أكثر. ترتعش يده أكثر وهو يمسك نهدي بقدسية ويغني للعابرات.
لوحة للفنان راكان دبدوب