محمد السلاموني - النظرية والنقد والسياق التاريخى.. ربما كان هناك وَهم كبير

[عادة ما يشتغل الناقد على النص الأدبى بمنهج معين، وأيَّاً كان هذا المنهج فهو ينطوى بالضرورة على نظرية ما عن الأدب، هذا وكل نظرية عن الأدب هى محاولة لتعريف الأدب، من هنا كان المنهج الذى تقترحه النظرية هو وسيلتها فى تطبيق وإثبات صحة تعريفها للأدب.].

ما يقلقنى بهذا الخصوص تحديدا، هو: عندما تشتغل نظرية ما على نص أدبى ما من خلال منهج ما، هل ما تشتغل عليه حقيقة هو "النص الأدبى نفسه" أم أن الأمر لا يزيد عن محاولة اختبار مدى صلاحية تعريفها للأدب؟.
على الرغم من صعوبة الإجابة، نظرا لعدم وجود تعريف معيارى، عام ومتفق عليه للأدب، يمكن القياس عليه، إلاَّ أن هناك فرق كبير بين النص الأدبى والنظرية النقدية.
فعلى سبيل المثال: من الملاحظ أن كل نظرية نقدية على حدة، تشتغِل على نوعية معيَّنة من العلامات التى يحتوى عليها النص، وليس على جميع علامات النص ، أى أن كل نظرية إنما تقتطع لنفسها جزءا من النص، تاركة الأجزاء الأخرى، هكذا، لتوهمنا بأن تلك العلامات التى تم انتزاعها من النسيج المتلاحم للنص هى العلامات التى تختبئ فيها دلالة النص ككل.
مرة أخرى، يجب أن نفرِّق بين النظرية النقدية التى تعَرِف الأدب، وبين الأدب نفسه.
هذا وتاريخ النظرية النقدية يثبت لنا، بما لا يدع مجالا للشك، أن هناك العديد والعيد من النظريات "أو التعريفات" المتعلقة بالأدب. وهو ما انتهى إلى وجود مذاهب وتيارات ومدارس وحركات نقدية متنوعة ومختلفة، ومتنازعة...
نعم، وبلغة نقدية، لقد تحوَّل الأدب إلى "علامة كبرى- هى حقل صراع تأويلى لا حدود له".
وكما نلاحظ ، فالأدب بهذا لا يتميَّز بوضعية فريدة، إذ مثله فى هذا مثل أى شئ آخر؛ الدين والتاريخ، والنفس والواقع والثقافة... إلخ، فجميعها مجرد حقول تتصارع مختلف أنواع التأويلات على امتلاكها؛ بمنحها معنى ما...
لا أريد أن أكتفى بإعادة تلك الظاهرة إلى تعدد القوى الإجتماعية المتصارعة، ومن ثم تعدد الأيديولوجيات ورؤى العالم وما شابه، لأن ذلك المنحى فى التفكير تحول إلى إحدى بدهيات العصر الحديث.
ومع ذلك فهناك مشكلة:
تتلخص تلك المشكلة فى إننا اعتدنا، باسم الحداثة، على تناول الظواهر بربطها بسياقها التاريخى- ويعيد البعض هذا المنحى إلى "فيكو"- وكتابه [مبادئ العلم الجديد- عام 1725].
لكننى أعتقد بأن التفكير بهذه الطريقة عادة ما ينطوى على استراتيجية تضييقية- إذ نقوم بحذف عناصر معينة "هى امتدادات شبكة الإرتباطات والإعتمادات المتبادلة بين الظاهرة وغير ها من الظواهر الأخرى، فى امتداداتها التاريخية"، بدعوى التحديق عن قرب فى الظاهرة موضوع الدراسة.
تضييق العدسة- قسرها على النظر إلى الظاهرة فى سياقها التاريخى- تكبيرا للظاهرة، بقدر ما يعنى ربطها بالظواهر المباشرة المحيطة بها "بما هى عِلَّة وجودها"، إلا أنه يعنى أيضا عزلها عن ظواهر أخرى، لرؤيتها هى نفسها فى تمظهرها السياقى فقط .
هذا النهج فى التفكير هو نفسه الذى أدَّى إلى إطلاق سراح الأيديولوجيات... ذلك أن ما من عين يمكن لها أن ترى- بعد فيكو، وماركس- إلا من خلال عدسة أيديولوجية؛ ببساطة، لأن السياق التاريخى المؤطر للظاهرة، صار هو "الحقل" الذى نتصارع على امتلاكه بالمعنى .
وتواصلا مع ما أشرت إليه فى بداية المقال، أقول: هذا المنحى فى التناول، أدى للإطاحة بالظاهرة الأدبية وبالسياق التاريخى المؤطر لها، لتنصب الجهود على محاولة إثبات مدى صلاحية النظرية النقدية والمنظور الأيديولوجى القابع وراءها...
// حقيقة، من خلال تلك المراجعات العابرة، المتناثرة، التى أحاول أن أجريها بين الحين والآخر، للغة والنقد، والمنظور الثقافى عامة، تَبَيَّن لى أن كل تلك المقاربات المؤسسة للعملية الثقافية برمتها، تطرح من التساؤلات أكثر مما تقدم من إجابات .
يبدو أن إعادة النظر فى تلك القضايا يمثل مشكلة هائلة، تقع على عاتق الأجيال الجديدة- هذا إن أرادوا رؤية الظواهر على حقيقتها .


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى