منذ أسبوعيْن وهي تتابع من وراء الحائط الهشّ ما يصلُ آذانها من تطوّرات الجدال بينَ أمّها وأبيها حول قرار إرسالها إلى مدرسة داخليّة. لم تتبيّن أكثر تفاصيلهِ خاصّة تلك المتعلّقة بالأسباب. لم تسمع كلمة عن فضائل تربية الراهبات ودورهنّ في تهذيب البنات. كان الكلام منحصرا فيها وفي جسدها. في ما يراهُ الغير وكيف يراهُ وما يترتّب على ذلك.
يصيرُ حديثهما همسا حين يختلفان فيه. في الأمر الذي يوجب نقلها إلى مدرسة داخليّة.
الأب يرى أنّهما أصبحا بحجم يكفي للفت نظر سائقي الشاحنات المارين صباحا من الشّارع المُحاذي للقرية. والأمّ ترى أنّهما بالكاد يظهران خلف صدريّتها. بالكاد يظهران أيضا حينما تخلعها وتلقي بها على أقرب كرسيّ وهي لم تعتد بعد على قطعة قماش تقيّد جسدها الغضّ. تسحبها بمهارة من تحت قميص المدرسة وتتنفّس.
أما هو فيقسمُ أنّه رأى بأمّ عينه كيف تتباطأ الشاحنة ويطلُّ السّائق من نافذتها يتابع بنتا مسرعة إلى محطّة الباص. سائقٌ نعسان شبقٌ. لولا ضباب الصباح لكان من الممكن رؤية لعابه وهو يسيل.
- أنتِ ما تخافين الله؟ هل تريدين لابنتنا من يفتنها عن نفسها؟ في غفلة منّا قد يُراودها أحدهم ويحدث ما لا تُحمد عقباهُ!
حجم نهديها واستدارتهما.
أمها توصيها بهمس عنيف أن تقمع نموهما حتّى تهدأ ثورة الوالد.
بينما هي تتصدّى لكلّ محاولات زوجها في إبعاد ابنتها عن البيت إلى مدرسة لا يلجأ إليها سوى الأيتام والمظلومين.
- ماذا يقول الناس؟ لا نستطيع تربية ابنتنا؟ هل هي يتيمة؟
لم تزعجها كثيرا فكرة المدرسة الدّاخليّة. لا تعرف عنها الكثير. تصلها بعض المعلومات عن الشّدة وقسوة المعاملة.
يزعجها أكثر انشغال والديها بقطعة من جسدها. لم تكن تعنيها كثيرا. لم تكن تراها عائقا أو مسيلا للعاب.
سألت صديقتها الأقرب: ألم يفكّر والدك في إرسالك إلى مدرسة داخليّة؟
- لماذا؟
- ما هو حجم نهديك؟ أقصد ما هو مقاس صدريتك؟
- ما بك؟ جننتِ؟ مرة تسألين عن مدرسة داخليّة ومرة عن مقاس صدريتي؟ ما العلاقة؟
- لا أعرف. أظنّ أبي يرى علاقة بينهما.
جملة كادت تنهي علاقة الصديقتين لولا أنّ الثانية اعتقدت أنّ صديقتها تمازحها بعد ضحكة هستيريّة أطلقتها الأولى.
لأسابيع طويلة انصبّ اهتمامها في إيجاد قاعدة منطقيّة أو معادلة مناسبة للأحجام والتهذيب ومراحل النموّ عند المراهقات. تقف أكثر من المعتاد أمام المرآة. تمسّد جسدها أكثّر من المعتاد. تتوقّف طويلا عند نهديها وتحاول إيجاد تشبيه يليق بهما.
ضحكت لتشبيه نسجه خيالها. زوجة عمّها تقطف حبّات البندورة من أرض الأسرة ثمّ توزّعها على ثلاثة صناديق:
الأكبر حجما، المتوسطة والأصغر.
ستوقفنا الراهبة صفّا واحدا، نحن المنتسبات الجدد للمدرسة، وتفرزنا بحسب حبّات البندورة.
ههههه. سأكون مع المتوسّطات حجما. يمكن. لا أعرف.
بثينة هي زميلتها الوحيدة في المدرسة التي تعيش في مدرسة داخليّة. بعد وفاة والديها وضيق زوجات الأخوة بها كانت الطريق إلى خارج بيت الأسرة هي الحلّ الأنسب. تداوم في الصباح في المدرسة العاديّة وبعد الظهر تعود إلى المدرسة الداخليّة. قميصها المدرسيّ الأبيض فضفاض لا يسمح بالجزم أنّها دخلت المدرسة من باب الحجم وليس من باب المأساة.
لا تتكلّم كثيرا ولا تبتسم كثيرا. هذه طبيعتها، يقولها الجميع ولا علاقة للسّجن المسائيّ بذلك.
وذات صباح اكتملت المأساة.
اختفت بثينة. وتناقلت البنات الخبر وقلن إنّها هربت مع سائق شاحنة كان ينقلُ لمدرسة الرّاهبات ما تحتاجه من مواد. أغواها ورحلت معه.
عادت لأمّها بالخبر. الصمت الّذي لفّ المكان كانَ إشارة النّصر الأولى.
أُغلق والدها باب المدرسة الداخليّة إلى الأبد.
وفتحت هي بابا آخر.
علاقتها مع الجسد.
جسدها هي.
.
LE PAON BLEU
par ANTEF
يصيرُ حديثهما همسا حين يختلفان فيه. في الأمر الذي يوجب نقلها إلى مدرسة داخليّة.
الأب يرى أنّهما أصبحا بحجم يكفي للفت نظر سائقي الشاحنات المارين صباحا من الشّارع المُحاذي للقرية. والأمّ ترى أنّهما بالكاد يظهران خلف صدريّتها. بالكاد يظهران أيضا حينما تخلعها وتلقي بها على أقرب كرسيّ وهي لم تعتد بعد على قطعة قماش تقيّد جسدها الغضّ. تسحبها بمهارة من تحت قميص المدرسة وتتنفّس.
أما هو فيقسمُ أنّه رأى بأمّ عينه كيف تتباطأ الشاحنة ويطلُّ السّائق من نافذتها يتابع بنتا مسرعة إلى محطّة الباص. سائقٌ نعسان شبقٌ. لولا ضباب الصباح لكان من الممكن رؤية لعابه وهو يسيل.
- أنتِ ما تخافين الله؟ هل تريدين لابنتنا من يفتنها عن نفسها؟ في غفلة منّا قد يُراودها أحدهم ويحدث ما لا تُحمد عقباهُ!
حجم نهديها واستدارتهما.
أمها توصيها بهمس عنيف أن تقمع نموهما حتّى تهدأ ثورة الوالد.
بينما هي تتصدّى لكلّ محاولات زوجها في إبعاد ابنتها عن البيت إلى مدرسة لا يلجأ إليها سوى الأيتام والمظلومين.
- ماذا يقول الناس؟ لا نستطيع تربية ابنتنا؟ هل هي يتيمة؟
لم تزعجها كثيرا فكرة المدرسة الدّاخليّة. لا تعرف عنها الكثير. تصلها بعض المعلومات عن الشّدة وقسوة المعاملة.
يزعجها أكثر انشغال والديها بقطعة من جسدها. لم تكن تعنيها كثيرا. لم تكن تراها عائقا أو مسيلا للعاب.
سألت صديقتها الأقرب: ألم يفكّر والدك في إرسالك إلى مدرسة داخليّة؟
- لماذا؟
- ما هو حجم نهديك؟ أقصد ما هو مقاس صدريتك؟
- ما بك؟ جننتِ؟ مرة تسألين عن مدرسة داخليّة ومرة عن مقاس صدريتي؟ ما العلاقة؟
- لا أعرف. أظنّ أبي يرى علاقة بينهما.
جملة كادت تنهي علاقة الصديقتين لولا أنّ الثانية اعتقدت أنّ صديقتها تمازحها بعد ضحكة هستيريّة أطلقتها الأولى.
لأسابيع طويلة انصبّ اهتمامها في إيجاد قاعدة منطقيّة أو معادلة مناسبة للأحجام والتهذيب ومراحل النموّ عند المراهقات. تقف أكثر من المعتاد أمام المرآة. تمسّد جسدها أكثّر من المعتاد. تتوقّف طويلا عند نهديها وتحاول إيجاد تشبيه يليق بهما.
ضحكت لتشبيه نسجه خيالها. زوجة عمّها تقطف حبّات البندورة من أرض الأسرة ثمّ توزّعها على ثلاثة صناديق:
الأكبر حجما، المتوسطة والأصغر.
ستوقفنا الراهبة صفّا واحدا، نحن المنتسبات الجدد للمدرسة، وتفرزنا بحسب حبّات البندورة.
ههههه. سأكون مع المتوسّطات حجما. يمكن. لا أعرف.
بثينة هي زميلتها الوحيدة في المدرسة التي تعيش في مدرسة داخليّة. بعد وفاة والديها وضيق زوجات الأخوة بها كانت الطريق إلى خارج بيت الأسرة هي الحلّ الأنسب. تداوم في الصباح في المدرسة العاديّة وبعد الظهر تعود إلى المدرسة الداخليّة. قميصها المدرسيّ الأبيض فضفاض لا يسمح بالجزم أنّها دخلت المدرسة من باب الحجم وليس من باب المأساة.
لا تتكلّم كثيرا ولا تبتسم كثيرا. هذه طبيعتها، يقولها الجميع ولا علاقة للسّجن المسائيّ بذلك.
وذات صباح اكتملت المأساة.
اختفت بثينة. وتناقلت البنات الخبر وقلن إنّها هربت مع سائق شاحنة كان ينقلُ لمدرسة الرّاهبات ما تحتاجه من مواد. أغواها ورحلت معه.
عادت لأمّها بالخبر. الصمت الّذي لفّ المكان كانَ إشارة النّصر الأولى.
أُغلق والدها باب المدرسة الداخليّة إلى الأبد.
وفتحت هي بابا آخر.
علاقتها مع الجسد.
جسدها هي.
.
LE PAON BLEU
par ANTEF