مصطفى عوض - صورة الديكتاتور في الأدب العربي

في مجتمعاتٍ تعج بالطغاة و الطغيان، و الاستبداد و حكم الفرد، قد يكون من المستغرب شحة الأعمال الإبداعية التي قاربت شخصية الديكتاتور! و في الوقت الذي اتفق فيه مفكروا و مبدعوا و منظروا العالم المتحضر، على أن أصل البلاء الذي حل و يحل على العالم العربي، هو الاستبداد، باعتبار المنطقة هي بالفعل، واحدة من أكبر مفارخ الطواغيت على مستوى العالم، فإن المثقف و المبدع العربي، يتحاشى الدخول إلى تلك المنطقة ليتجنب مشاكلاً ستطاله بالطبع، هو في غنىً عنها..و إن حدث، فبصورة محتشمة تعمد إلى الرمز و الإسقاط، و التلميح من بعيد. و قد برزت عديد الأعمال الأدبية التي جعلت من الديكتاتور العربي مركز بنائها الفني، فعلي سبيل المثال لا الحصر:
شيء من الخوف لثروت أباظة، الكرنك لنجيب محفوظ، شرق المتوسط لعبد الرحمن منيف. و لعل النموذج الأكثر جرأة لمقاربة (الديكتاتور) بشكل أكثر تحدياً و وضوحاً، هو ما قدمه السوري (سعد الله ونوس) في أعماله المسرحية، و نذكر منها:
الملك هو الملك و الفيل يا ملك الزمان.
في الشعر، تطالعنا أسماء أكثر جرأةً و تحرراً، فمن عبد الله النديم و بيرم التونسي، مروراً بأمل دنقل و أحمد مطر، وصولاً إلى أحمد فؤاد نجم و فؤاد حداد.
و ليس خافياً على أحد سر ندرة الكتابات العربية التي تتناول قضايا تمس الديكتاتور بشكل مباشر، فالرقابة خانقة، و آلة القمع صارمة لا ترحم و لا تميز، كما أن إحكام الديكتاتور قبضته على مقاليد الأمور، و كل ما يخص الشأن العام أو الخاص حتى! يجعل من تمرير مثل هذه الأعمال، ضرباً من العبث، و من ثم يلجأ الكاتب للرمز و المواربة و النكتة و الكاريكاتور، كوسائل بديلة للتعبير من باب (نصف العمى و لا كل العمى).
باختصار، فإن حضور صورة الديكتاتور في الأدب العربي، هشة للغاية، نعم هناك حضور له هنا و هناك، في أعمال متفرقة، لكن لم ينجز إلى الآن عمل روائي كبير عن الحكام الطغاة الذين يملأون المشهد في كامل أرجاء الوطن العربي، و لم نر، و أظننا لن نرى، عملاً بحجم (مائة عام من العزلة) و (خريف البطريرك) لماركيز، أو (السيد) لميجيل أستورياس، أو (عرس التيس) لفارجاس يوسا. إن ثيمات العنف و القهر حاضرة بقوة في الرواية العربية، لكنها عجزت عن الغوص في العمق لإبراز جذور النواة المتسلطة، و طبيعة آلة القمع و سلطتها الحاكمة، و اكتفت بركن هادئ في الظل خوفاً من مواجهة الطاغية، و دفع ثمن قد يكون باهظاً جداً.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى