عمارة إبراهيم - حافظ إبراهيم؛ مائة وخمسون شعرا، ويبقي

لم يكن الشعر محظوظا في كثير من تأريخه الحديث بمثل حظه الفائر في التجارب الشعرية المتوهجة لمدرسة الإحياء والتي أعادت الشعرية العربية لزهو وجودها بين الأمم وقد ساهمت إلي حد كبير في انصهار أحوال مصر في بوتقة المشاعر والرقي بقيادة أمير الشعراء أحمد شوقي وخاصة في ظل التنافسية بينها وبين مدرسة الديوان التي كان يقودها عباس محمود العقاد وقد اعترف قبيل وفاته بأحقية شوقي للإمارة.
كانت هذه بداية توهج الشعر العربي بعد معاناته الطويلة في الفترة التي فصلت بينه وبين ازدهاره وتطوره في العصر العباسي لتمر حالة من ركوده النسبي خلال العصر الفاطمي الذي لم يظهر خلاله شاعر يبرز وتبرز تجربته الشعرية بمثل المتنبي أو غيره من شعراء العصر العباسي؛ وكانت نهاية القرن التاسع عشر قد وصلت اللغة العربية الي أدني وتيرة لها بعدما تشبعت الحياة بالاستعمار وتغولت ثقافاته الدخيلة مما دفع مجموعة من الشعراء المصريين أن يكونوا هذه المدرسة مع وجود مدارس سابقة علبها مثل الكلاسيكية وغيرها؛ لتزدهر الشعرية العربية وتصعد إلي فورانها الجمالي من خلال وتيرة التنافسية الشديدة التي كان أبطالها من المدارس الشعرية التي تبارت فيما بينها؛لتمد جسور التواصل الذي انقطع؛ وترسم ملامحا واضحة وجلية للشعرية العربية بين البيئات الانجليزية والفرنسية المستعمرة لنا وبعض البيئات الاخري التي تطور فيها الشعر علي مستوي العالم بشكل لافت ومثير.
وكان من أهم نجوم مدرسة الإحياء محمود سامي البارودي وأمير الشعراء أحمد شوقي وشاعر النيل حافظ إبراهيم.
ليتميز الشاعر المصري حافظ إبراهيم بانشاده للشعر؛ فلديه قدرة حفظ الكثير من الأبيات الشعرية وكان يتميز بذاكرة قوية؛ ليمثل تجربة شعرية ولدت من معاناة شاعر؛ كان حظه يتعثر بتعثر أحوال مولده وما بعد مولده وهو ابن صعيد مصر؛ فوالده من مدينة ديروط التي تتبع لمحافظة أسيوط؛ ولد علي سطح سفينة كانت تقبع علي شاطئ المدينة التي كان يعمل والده المهندس في قناطرها ولهذا سمي بشاعر النيل وقد أطلق عليه هذا اللقب أمير الشعر العربي أحمد شوقي وكان من أقرب أصدقائه ليساهم في منحه لقب البكوية عندما كان يعمل في دار الكتب.
لم يستمر حافظ إبراهيم كثيرا في أسيوط بعد موت والده حيث استقرت بدايات حياته في القاهرة مع والدته في بيت أسرتها، ليتلقي تعليمه في الكتاب ثم مدرسة القلعة ،ليغادر بعدها إلي مدينة طنطا كي يرعاه خاله الذي كان يعمل أيضا مهندسا بها حتي اكتملت رحلة تعليمه، ويعود بعدها إلي القاهرة ويتزوج من ابنة أحد أقاربه.
تبدأ حياة شاعر الشعب حافظ إبراهيم بالاهتمام بالشعر بعد تلقي تعليمه وبدأ يجتمع مع محبيه في الجامع الأحمدي في مدينة طنطا؛ عندها لوحظ ميله إلي الشعر والأدب وفكر في العمل في مهنة المحاماة فهو الذي يمتلك فصاحة اللسان والتمكن من اللغة العربية حتي عاد إلي مدينة القاهرة ليلتحق في المدرسة الحربية وتخرج منها ثم عين بوزارة الحربية ليشعر بتقلبات مزاجية لم تعنه علي ممارسة حياته العملية بشكل صحيح؛ليتنقل من عمل إلى آخر بسبب اضطراب حياته وعدم استقرارها،ليستقر به مقام العمل بدار الكتب المصرية في قسمها الأدبي ويستمر فيها حتي قرب وفاته.
تلقي حافظ إبراهيم تجربته الشعرية والعلمية علي أشهر العلماء والأدباء في عصره.منهم السيد توفيق البكري الشنقيطي والشيخ محمد الخضري والشاعر اللغوي حفني ناصف وكان يذهب إلي بيت شيخ الشعراء إسماعيل صبري الذي يعده أستاذا له وكان يحضر معه أحمد شوقي وخليل مطران وأحمد نسيم.
و يعتبر محمود سامي البارودي هو صاحب الفضل عليه وأيضا الإمام محمد عبده.
تمتع حافظ بالعديد من الصفات التي جعلته شاعرا فريدا في زمنه؛منها جزالة شعره وتفرده عن غيره من الشعراء بكتابه القصيدة التي تعتمد علي أحواله وعلي القضايا التي انسجمت مع فكره وميوله؛ كما أن لغة الطبيعة ولغة الأحوال كانت هي المسيطر علي بنية القصيدة وقد ساعده في ذلك حفظه للكثير من القصائد الشع يل ولذاكرته التي كانت تمنحه فيضا من المفردات التي تعتمد في بنائها علي الصورة الشعرية البديعة:كما أن قوة ذاكرته وقدرته علي حفظ الكثير من الأبيات الشعرية ولشغف القراءة والثقافة والإطلاع وقدرته علي تجويد القرآن؛ منحته فيضا واسعا وادراكا لقيمة الشعر؛ ورغم عمله بدار الكتب فقد توقف كثيرا عن القراءة بسبب الملل الذي تعرض له ولتقلب مزاجيته وضعف نظره خوفا من الإصابة بما أصاب البارودي من عمي في حياته الأخيرة.
تميزت أشعار حافظ إبراهيم بالجنوح نحو الشعر السياسي والاجتماعي وكان يكتب في حب اللغة العربية حتي يمنح اللغة العربية وجودها والتحصن بتراثها بعد محاولات الاستعمار من طمث معالمها وهدم مصابيح جمالها من الأدب والعلوم.
يقول في ذلك:
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي
وناديت قومي فاحتسبت حياتي
رموني بعقم في الشباب وليتني
عقمت فلم أجزع لقول عادتي
ولدت ولما لم أجد لعرائسي
رجالا واكفاء وأدت بناتي.
كما تميز بشعر الرثاء وكان شديد التأثر عندما يموت أحد أصدقائه حيث تميزت شخصيته بالعاطفة والإحساس القوي كما أن شخصيته المنطوية علي الحزن والاسي بسبب معاناته في حياته كانت الأسباب المهمة في توهج شعريته.
كما تميزت أشعاره بطابع الحدة واستخدام المعاني البسيطة والصيانة الشعرية المتوافقة مع الطبيعة والنفس البشرية والعناية بالمفردات التي لا تعتني بالخيال بل بواقعية الحدث وكانت أشعاره تخاطب الوجدان مثلما تخاطب قضايا الإنسان حيث الهم الرئيس في قصيدته وهم الوطن مصر هو شاغله وحبه لها وكان لا يقلد أحدا مثل شوقي في مخاكاته لشعر المتنبي بسبب أن شعريته كانت ابنة أحواله.
جمع بعض المهتمين لأمر الشعر الكثير مما كتب حافظ إبراهيم؛حيث قدم الشاعر السوري أحمد عبيد بعض القصائد التي لم تجمع في كتب وقام بنشرها في دمشق وألف كتابا عن شوقي وحافظ أسماه ^ذكري الشاعرين".
كما نشرت دار الهلال له ديوان شعر بعد وفاته عام 35 19 وهو الديوان المصنف الذي جمعه أحمد أمين وإبراهيم الأبياري وأحمد زين عام 37 19وقد تناول الديوان شرحا للأبيات وظروف كتابة كل قصيدة وتأريخ نشرها وله العديد من المؤلفات الاخري منها ترجمة رواية "البؤساء" لفيكتور هيجو والموجز في علم الاقتصاد وقد شاركه الكتابة خليل مطران في جزئين ثم التربية والأخلاق وكتاب" عمرية حافظ" مناقبه وأخلاقه والكثير من الأعمال
توفي حافظ إبراهيم في الحادي والعشرين من شهر أبريل عام 32 19 ودفن بمقابر السيدة نفيسة؛وقد نعاه شوقي ببيت خالد حيث قال:
قد كنت أوثر أن تقول رثائي... يا منصف الموتي من الأحياء.


عمارة إبراهيم
شاعر وكاتب مصري.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى