د. نور الدين السد - النقد السينمائي

النقد صنو الفن والإبداع، حيثما حل يحل معه، فوجود النقد مرهون بوجود الفن، بل إن وجود النقد ضرورة ملحة لتحليل الخطاب بأنواعه وأجناسه، وتقييمه شكلا ومضمونا، وتوصيف مكوناته بنية ووظيفة، وتأويل مقاصده، وإنتاج معانيه.
وإذا كان النقد حقلا معرفيا له خصائصه وله منظوماته الفكرية، وآلياته الإجرائية في تحليل الخطاب؛ فإن العناية بالنقد السينمائي وتوصيف الصورة السينمائية وتحليلها وإبداء الرأي في طرائق تركيبها وتوظيفها، وأبعادها الدلالية وأهدافها والجمهور المستهدف بها ومدى تأثيرها على المتلقي وسوى ذلك.. أصبحت الزامية على النقاد، وخاصة النقاد الذين يمتلكون المؤهلات العلمية، والآليات اللازمة لذلك، وإن الخوض في النقد السينمائي أضحى رهانا لابد من إلائه عناية خاصة، بالنظر إلى الانتشار الواسع للأفلام السينمائية ورواجها على وسائل التواصل الاجتماعي، عبر المنصات الرقمية وعبر الفيديو وغير ذلك، كما شهدت الصناعة السينماتوغرافية تطورا سريعا وواسعا واسترعت اهتمام الهواة إلى جانب الاحترافيين وانبرى لها الملم بخصائصها وغير الملم، وفي غمرة ذا تعدد موضوعاتها، وتنوعت تقنياتها، وراج الابتكار في فنياتها، وعم الاجتهاد في إبراز جمالياتها، وإبتداع أساليب جديدة في إنجازاتها، ولعل ندرة الكتابة في النقد السينمائي وقلته تعود إلى عدم اهتمام النقاد بالمنجز السينمائي والسمعي البصري، وفي قناعة بعضهم أن الصناعة السينماتوغرافية لها روادها وكتابها ومنتجوها ومنفذوها وموزعوها ونقادها من أهل الاختصاص، كما أن ندرة النقد وقلة تعاطيه مع الأعمال السينمائية تعود إلى عناية النقاد بتحليل الخطاب الأدبي دون سواه، مع العلم أن الخطاب السينمائي هو حقل مطواع، وهو خطاب في معظم مكوناته لا يكاد يختلف في شيء عن مكونات الخطاب الأدبي، ولا يخفى أن الخطاب السينمائي يتوافر على كل مكونات الخطاب الأدبي، بل إن معظم الأفلام السينمائية مقتبسة من خطابات أدبية، وجميع مكونات الخطاب الأدبي موجودة فيه بكيفيات متنوعة، وهذا التنوع ملاحظ بوضوح، وهو مختلف من فيلم إلى فيلم آخر، بينما النقد باعتباره حقلا معرفيا متعدد المناهج، ومتعدد المرجعيات، ومتعدد الآليات الإجرائية، فإن تطبيق نظرياته وآلياته كفيل بأن يلقى تجاوبا وتفاعلا لا نظير له، وبخاصة عند أهل النقد الذين يمتلكون المناهج المعاصرة سياقية ونسقية، بالإضافة إلى ما يمتلكون من حصافة، ودقة ملاحظة، وجنوح إلى الموضوعية والعلمية، وما يمتلكون من مهارات خاصة، تؤهلهم إلى بلوغ المرام بالتوجيه والتقييم والتقويم...
إن النقد السينمائي كفيل بنشر ثقافة فنية وجمالية راقية، تنمي الذائقة الجمالية لدى جمهور المتلقين، وتعزز الحس الفني، وتنمي روح الإبداع، وتزرع القيم السامية التي تؤسس لمفهوم المواطنة الحقة بكل أبعادها الحضارية والثقافية، وبالإضافة إلى هذا فإن النقد السينمائي الموضوعي يفكك الخطاب السينمائي، ويقيمه ويشير إلى تصويب مواطن السلب في البناء الدرامي أو في بناء الشخصيات ووظائفها وأدوارها، والحوار ومستوياته، والمكان وأبعاده الوظيفية، والزمان وكيفيات توزيعه بين زمن الاسترجاع "الفلاش باك"، وزمن الاستشراف وأنواعهما، ورؤية العالم ومضامينها، والتبئير وخصائصه، والوصف وتوزيعه بين الموضوعي والذاتي، والسرد ومراتبه وأنماطه، إلى جانب تقنيات الإضاءة، والخدع السينمائية، وتقنيات 2D و3D والأصوات والموسيقى والألوان... وسوى ذلك ... دون أن يغفل الإشادة بمواطن الإيجاب والجمال، ولا يخفى أنه على الناقد السينمائي الحصيف تمثل منظومات المناهج المعاصرة، مع إضفاء ما يملك من مهارات للإسهام في نقد الأفلام المتخصصة من حيث الأهداف المتوخاة منها، كما أنه على الناقد الإشارة إلى مواطن الضعف ومواطن القوة، وإبداء الملاحظات المادية والمعنوية من أجل ترقية العمل الفني، كما أنه مطالب بتوظيف مهاراته العلمية، ومؤهلات الثقافية في تصويب الهنات في الفيلم، وأن يعرب عن كفاءة علمية وموسوعية شاملة بما يضايف من المعارف والعلوم في نقده وتوجيهه، وأن لا يتحامل في نقده وأن يتجرد من دوافعه الأيديولوجية ولا ينتصر الأيديولوجية على حساب النقد العلمي الموضوعي المجرد، كما أنه مطالب بكسب نقده مصداقية، وجدير بالذكر أن الأفلام التي تلقى رواجا وتفاعلا تلقى استجابة لدى جمهور المتلقين، هي الأفلام التي تحمل قيما إنسانية خالدة، بما تتضمن من حمولة قيمية سامية تخترق بها الآفاق زمانا ومكانا، وتفرض وجودها حضاريا وثقافيا وإنسانيا وتتجاوز حدود المحلية وتؤهل للعالمية عن جدارة واستحقاق..

د/نورالدين السد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى