د. زياد العوف - في الشعر الصوفي

التّصوّف في أبسط معانيه إنما هو الارتقاء بالزّهد إلى أفُق الفلسفة . هناك إذاً علاقة وثيقة بين المفهومَين وبين المسلكَين تشبه إلى حدّ بعيد علاقة الأصل بالفرع .
الزهد أقرب إلى أنْ يكون سلوكاً عمليّاً يتمثّل أساساً في التّرفّع عن المادة ، ومحاسبة النفس ، والتزام الفضائل، وتوخّي التقوى . وذلك تجنّباً لشرور الدنيا، طمعاً في مرضاة الله تعالى وتقرّباً إليه . أمّا التّصوف فهو تأمّل فلسفيّ في الكون يتجلّى في مجموعة من المفاهيم الصوفية مثل : الحب الإلهي، وأشواق الروح، والاتصال والفناء ، ووحدة الوجود، والشمول والحلول، وغير ذلك من المفاهيم .
التي يسعى المتصوف من خلالها إلى التّحول عن الشر والباطل، طلباً للخير والحقّ .
الزهد إذاً هو سلوك متّصل براحة الضمير، بينما يبدو التصوف مذهباً يرتبط باقتناع الوجدان . أي أنّ الزهد منهج في الحياة ، والتصوّف فلسفة لها .
ما يعنينا هنا هو صلة فلسفة التصوف بالشعر الصوفي ؛ أي كيف تجلّت المفاهيم الصوفية في هذا الشعر .
للمتصوّفة شعراؤهم المعروفون، لعلّ من أشهرهم ( الحلّا ج) و( السهروردي) و( الشّبلي)و( ابن عربي )و( ابن الفارض)
و( رابعة العدويّة) .وقد وقع اختيارنا هنا على قصيدة
مختارة لأحد أرباب الشعر الصوفي( عمر بن الفارض ٥٧٦-٦٣٢ للهجرة) رأينا أنّها تمثّل تجليات فلسفة التصوّف في الطبيعة على وجه الخصوص؛ حيث يستشعر ابن الفارض الحضرة الإلهية في مفاتن الطبيعة والفنون .
نجتزئ منها بهذه الأبيات لضيق المقام :
تباركَ اللهُ ما أحلى شمائلَهُ
فكم أماتتْ وأحيتْ فيه من مهجِ
تراهُ إنْ غابَ عنّي كلُّ جارحةٍ
في كلّ معنى لطيفٍ رائقٍ بهِجِ
في نغمةِ العود والنّاي الرخيمِ إذا
تألّفا بين ألحانٍ من الهزجِ
وفي مسارحِ غزلان الخمائلِ في
برد الأصائلِ والإصباحِ في البَلَجِ
وفي مساقطِ أنداء الغمامِ على
بساطِ نَور من الأزهارِ مُنتَسَجِ
وفي مساحبِ أذيال النسيمِ إذا
أهدى إليَّ سُحيراً أطيبَ الأَرَجِ
لم أدرِ ما غربةُ الأوطانِ وهو معي
وخاطري أين كُنّا غيرُ منزعجِ

دكتور زياد العوف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى