د. محمد عبدالله القواسمة - الإنسان والطبيعة

لم يتوقف الإنسان عن إظهار عداوته للطبيعة والصراع معها؛ فنراه يقتلع الأشجار، ويجفف الأنهار والبحيرات، ويزيل الجبال، ويقلص الأرض الزراعية بأن يبني عليها البيوت وناطحات السحاب، ويطارد الحيوانات البرية، ويلاحق الطيورببنادق صيده، ويلوث الهواء الذي يستنشقه، بالانبعاثات الغازية من مصانعه وسياراته.

لقد منحت الطبيعة الإنسان كل شيء، منحته الغذاء والكساء، ووسائل الراحة كلها، لكنه رغم ذلك تنكر لها، وأساء إليها، واستغلها أبشع استغلال، مع أنه يعد جزءًا منها، ويدعوها أحيانًا بأمه، وهي ضرورية لوجوده، ترتبط حياته بما فيها من هواء، وبما عليها من نبات وحيوان، فلا يستطيع أن يستغني عنها لدقائق.

[HEADING=2]إن هذا الموقف العدائي من الطبيعة أثر في حياة الإنسان تأثيرًا كبيرًا؛ فعكر مزاجه النفسي، وأقلق راحته، وجعله يتجه في علاقاته بإخوته في الإنسانية إلى العنف والقسوة والحروب، حتى أصابته الأمراض التي كان آخرها مرض كورونا 19، وتحوراته من دلتا إلى أوميكرون. وقد أشارت دراسة لفريق من جامعة كامبريدج البريطانية إلى أن التغير المناخي، وارتفاع درجات الحرارة، وكثرة الغازات الدفيئة منذ القرن الماضي. أحدثت تغيرات كبيرة في الغطاء النباتي؛ مما وفر في جنوب الصين البيئة الملائمة للخفافيش التي تعد الناقل الرئيسي لفيروس كورونا19.[/HEADING]
كما ذكرت دراسة أخرى حديثة أن دخان الحرائق التي شبت في الغابات الأسترالية منذ ثلاثة أعوام أحدث تفاعلات كيميائية، أضرت بطبقة الأوزون المسؤولة عن حماية الأرض من الأشعة فوق البنفسجية الضارة.

من الواضح أن هذا السلوك العدائي إزاء الطبيعة ليس إلا نتيجة للجشع الإنساني، وضعف وعي الإنسان بمصيره، واضطراب علاقته بالطبيعة. فلا شك أن العقل بدءًا بالعقل اليوناني مرورًا بديكارت في القرن السابع عشر وانتهاء يهيدغر اهتم، ضمن ما يسمى التعاقد الاجتماعي، بعلاقة الإنسان بالآخرين وتنظيم علاقته بهم أكثر من اهتمامه بالطبيعة والتعامل معها، كما اندفع إلى الاهتمام بذاته وجسمه، والتفاخر بقوته وجبروته.

ونشهد في هذه الأيام تحول المعرفة والتكنولوجيا الإلكترونية إلى أداة بيد الإنسان إلى الهيمنة على الطبيعة وتسخيرها لمصلحته. وساهمت المنجزات العلمية والتقنية على زيادة قوته وسيطرته على الطبيعة، وعملت على تقلص الزمان وتقارب المكان، حتى صارت الأرض قرية صغيرة. ولم يعترف الإنسان بحقوق الكائنات الأخرى من نبات وحيوان، ولم يهتم بعناصر الحياة من ماء وهواء وتراب ونار. ليس غيره جديرًا بالاهتمام والتقدير، حسب ما يعلنه قانون التعاقد الاجتماعي.

لقد تنبه بعض الفلاسفة من بينهم: توماس هوبز وجون لوك وجان جاك روسو إلى موضوع التعاقد الاجتماعي؛ فتساءلوا عما جناه الإنسان من استبدال حريته الطبيعية بحرية مدنية قيدته بقوانينها؛ فهذا روسو يرى في كتابه" العقد الاجتماعي أو مبادئ الحق السياسي" أن الإنسان ولد حرًا وهو في الحقيقة مكبل بالأغلال، ويظن نفسه سيد الناس وهو أكثرهم عبودية. ويقول جون لوك: "الطبيعة موطن الانسان الأول وهي رمز الأصالة والنقاء" ويرى أن المدن أفسدت الحياة، وقتلت فينا متعة الاحساس بالجمال، حين أبعدتنا عن الطبيعة وسحرها.

ونحن إذ ندعو إلى الاهتمام بالطبيعة وإعادة الاعتبار لها، فإننا لا نجهل قيمة العقل الإنساني، بل هو الأداة التي يعول عليها في النظر إلى الطبيعة وتقديرها.

في النهاية نخلص إلى القول: إن حياة الإنسان مهددة بالموت، وحضارته بالزوال إذا لم يكف يده عن العبث بالطبيعة؛ فأي انهيار يحدثه الإنسان في النظام الطبيعي يلحق الضرر بحياته؛ لأن حياته مشروطة بحياة النظام الطبيعي؛ لذا عليه أن يتعايش مع الطبيعة، ولا يبعده تعاقده الاجتماعي عن التعاقد مع الطبيعة التي تمنحنا أسباب الحياة، وتمنح كوكبنا الجمال، وتزودنا بالراحة النفسية والصحة الجيدة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى