كم احب المطر , ذلك ما اردده في نفسي عندما تتلبد السماء بالغيوم وترسل غيثها لينشر عبق رائحة تثير في نفسي مشاعر مختلطة بين الحب والحنين والارتياح ، ولكن ذلك اليوم الذي لن انساه ابدا كان مختلفا وانا اُسرِعُ عبر الشارع المهترئ والمطر ينهمر مِدرارا لا ينفك يهطل بغزارة.
لظروفٍ قاهرة كنت اسير مسرعاً في وقت متأخرٍ تجاوز منتصف الليل محاولاً الهروب من هذه العاصفة المطرية متعثرا بالأوحال التي كنت اراها تحت ضوء البرق الساطع وهدير الرعد الذي يزيد من ارتباكي وفزعي فكل شيء في هذا المطر بدا امرا غير طبيعي واكثر من اللازم ، حاولت بلا جدوى العثور على منزل بين الأزقة الضيقة القديمة في الاحياء القديمة للمدينة ، كانت ابواب المنازل مقفلة وذهب اصحابها في نومٍ عميق لا يوقظهم منه حتى طبول الحروب لو دقَّت ، اطرق الابواب ولا من مجيب ، ازداد الامر سوءا عندما ظهرت امامي كلاب ضالّة كشّرت عن انيابها ورأيت عيونها تقدح شرراً احمر فلم أشعر الا بساقيّ وهما يسابقان الريح وتلك الوحوش تجري خلفي كقطيع ثيران هائجة.
على غير هدىً وبرعب كبير بدأت اجري بين الازقة العتيقة هرباً من هذه الكلاب التي تحاول ان تنهش لحمي وحرارة انفاسها برائحتها الكريهة تلاحقني فلم اعلم انني قد تهت بين شبكة البيوت القديمة والمهجورة فأزداد ظلام الطرقات وضيقها ولم أعد ارى تلك المصابيح الضئيلة التي كانت تنبعث من بيوت ساكنيها فأحسست انني اجري في اللامكان وضاعت الاتجاهات بالنسبة لي ، لكنني وبلمحة سريعة تهيأ لي انني رأيت ما يبدو انها نار تبعث ضوئها من بين كتلة الظلام الكبيرة والمرعبة.
تحسست الجدران بسرعة للعثور على باب او مدخل الى ذلك الضوء حتى وقعت يدي المرتجفة والمبللة على مقبض يتصل بباب يبدو انها خشبية الملمس ، كنت مرتعبا من انني لن اتمكن من الدخول ولكنني دفعتها بقوة واغلقتها خلفي مستندا اليها وانا ألهث بشدّة غير مُصدِّق ما يحدث لي وصوت حشرجة تلك الكلاب المستئذبة وحفر مخالبها اسمعه وهي تحفر في الخشب محاولة اقتحامه يصل من الناحية الاخرى للباب.
لازال المطر ينهمر قويا ، قلبي يدق بقوة والبَلل والتعب الذي اصاب قدماي جعلني خائر القوى وبخطوات متعثرة تقدمت مستدلاً بالضوء المنبعث من الداخل عابرا فناء المنزل الذي كان يبدو قديما جدا وقد انتشر الخراب في اركانه نحو باب خشبية اخرى مفتوحة تحطمت اجزاء منها منذ زمن بعيد على ما يبدو.
تراجع الخوف والقلق بعيدا عندما شعرت بدفيء في المكان ووجود السقف فوقي وانقطاع المطر الذي دق رأسي ورغم ما يشوب المكان من صمت مطبق واهمال واوساخ هنا وهناك بالإضافة الى اثاث قديم يعود لزمن بعيد مضى الا ان منظر النار المشتعلة في الموقد وصوت الاخشاب وهي تحدث صريرا تحت لهيبها اراحني كثيرا.
خُيّل لي وعيناي تجولان في المكان تحت ضوء الشموع الموضوعة على منضدة جانبية انني شاهدت ظلا لهرٍّ ضخم يقف على حافة الاريكة القريبة من الموقد لكنه كان هناك فعلا ولم يكن يحرّك ساكنا وعيناه تلمعان بشكل مخيف وهو ينظر نحوي مصدرا خريراً ناعما.
صعقت عندما وقف امامي ذلك الهرّ الاسود معترضا طريقي وهو ينظر لي شزرا وبدأ يموء بصوت مرتفع بشكل غريب ومرعب ثم اصابني الذهول و جمد الدم في عروقي عندما نظرت اليه وهو يتكلّم
وفجأة سمعت صرخةً من ورائي فرأيت الرجل العجوز عند باب المنزل الصغيرة
ثم ركض الاعمى باتجاه صوت القط ورمى بنفسه نحوه واستطاع ان يمسكه من رقبته لكن الهرّ المرعب بدأ يكبر في حجمه ويزأر بصوت مرتفع ودخلا في صراع في باحة المنزل والبرك الموحلة.
عمار حميد مهدي
لظروفٍ قاهرة كنت اسير مسرعاً في وقت متأخرٍ تجاوز منتصف الليل محاولاً الهروب من هذه العاصفة المطرية متعثرا بالأوحال التي كنت اراها تحت ضوء البرق الساطع وهدير الرعد الذي يزيد من ارتباكي وفزعي فكل شيء في هذا المطر بدا امرا غير طبيعي واكثر من اللازم ، حاولت بلا جدوى العثور على منزل بين الأزقة الضيقة القديمة في الاحياء القديمة للمدينة ، كانت ابواب المنازل مقفلة وذهب اصحابها في نومٍ عميق لا يوقظهم منه حتى طبول الحروب لو دقَّت ، اطرق الابواب ولا من مجيب ، ازداد الامر سوءا عندما ظهرت امامي كلاب ضالّة كشّرت عن انيابها ورأيت عيونها تقدح شرراً احمر فلم أشعر الا بساقيّ وهما يسابقان الريح وتلك الوحوش تجري خلفي كقطيع ثيران هائجة.
على غير هدىً وبرعب كبير بدأت اجري بين الازقة العتيقة هرباً من هذه الكلاب التي تحاول ان تنهش لحمي وحرارة انفاسها برائحتها الكريهة تلاحقني فلم اعلم انني قد تهت بين شبكة البيوت القديمة والمهجورة فأزداد ظلام الطرقات وضيقها ولم أعد ارى تلك المصابيح الضئيلة التي كانت تنبعث من بيوت ساكنيها فأحسست انني اجري في اللامكان وضاعت الاتجاهات بالنسبة لي ، لكنني وبلمحة سريعة تهيأ لي انني رأيت ما يبدو انها نار تبعث ضوئها من بين كتلة الظلام الكبيرة والمرعبة.
تحسست الجدران بسرعة للعثور على باب او مدخل الى ذلك الضوء حتى وقعت يدي المرتجفة والمبللة على مقبض يتصل بباب يبدو انها خشبية الملمس ، كنت مرتعبا من انني لن اتمكن من الدخول ولكنني دفعتها بقوة واغلقتها خلفي مستندا اليها وانا ألهث بشدّة غير مُصدِّق ما يحدث لي وصوت حشرجة تلك الكلاب المستئذبة وحفر مخالبها اسمعه وهي تحفر في الخشب محاولة اقتحامه يصل من الناحية الاخرى للباب.
لازال المطر ينهمر قويا ، قلبي يدق بقوة والبَلل والتعب الذي اصاب قدماي جعلني خائر القوى وبخطوات متعثرة تقدمت مستدلاً بالضوء المنبعث من الداخل عابرا فناء المنزل الذي كان يبدو قديما جدا وقد انتشر الخراب في اركانه نحو باب خشبية اخرى مفتوحة تحطمت اجزاء منها منذ زمن بعيد على ما يبدو.
تراجع الخوف والقلق بعيدا عندما شعرت بدفيء في المكان ووجود السقف فوقي وانقطاع المطر الذي دق رأسي ورغم ما يشوب المكان من صمت مطبق واهمال واوساخ هنا وهناك بالإضافة الى اثاث قديم يعود لزمن بعيد مضى الا ان منظر النار المشتعلة في الموقد وصوت الاخشاب وهي تحدث صريرا تحت لهيبها اراحني كثيرا.
خُيّل لي وعيناي تجولان في المكان تحت ضوء الشموع الموضوعة على منضدة جانبية انني شاهدت ظلا لهرٍّ ضخم يقف على حافة الاريكة القريبة من الموقد لكنه كان هناك فعلا ولم يكن يحرّك ساكنا وعيناه تلمعان بشكل مخيف وهو ينظر نحوي مصدرا خريراً ناعما.
- هل تفضّل الشاي ام القهوة ؟؟؟!
- شكرا لك سيدي ... انا آسف لاقتحام منزلك ولكنني أضعت الطريق وكانت هناك كلاب متوحشة تجري خلفي و...
- لا بأس واهلا وسهلا بك هنا ... قالها مكتفيا بابتسامة باردة
- اختفى ثم عاد بصينية يحمل عليها كوبا يتصاعد منه البخار ، تناولت الكوب منه ثم اقترب يتحسس الاريكة وجلس عليها ليقفز الهِرّ الكبير ويقبع على حضنه وهو يراقبني بعينيه اللتان لم يرفعهما عنّي.
- في اي عام نحن ؟؟؟
- معذرة يا سيدي ؟؟!
- ران الصمت مرة اخرى ،صمت مرعب طويل ، كانت الافكار في رأسي تتصارع هائمة بين نوبات الذهول والتعب الذي نلت نصيبا وافرا منه لكن ساعة قديمة لاحظت انها بلا عقارب دقّت اجراسها وشقّت ذلك الصمت لفترة قليلة , ثم قام الرجل الغريب وهو يحتضن ذلك الهِرّ المريب.
- سأدعك تستريح ... بإمكانك النوم هنا على الأريكة
- اسرعت وأفردت جسدي المنهك واحسست بالدفيء يتسلل بسرعة الى داخلي ولم اشعر الا وقد استغرقت في نوم عميق.
- .......
- دعني اراه ... اريد ان اراه
- كلا لن ادعك وافلتني الان
- ارجوك ... اتوسل اليك
- فتحت عيناي بالكاد متناهيا الى سمعي هذا الحوار الذي يبدو انه كان يدور بالقرب مني وما ان أفقت حتى تملّكني الرعب ،
- كان الرجل (الأعمى) يحدّق بي ولكن عيناه كانتا تشبهان تماما عينا القط الذي كان يحمله والقط اللعين كان بين يديه لابساً نظارة الرجل العجوز السوداء!،
- كدت ان اصرخ من هول الصدمة ولكن الرجل العجوز بتأمله العجيب في قسمات وجهي وابتسامة هادئة بانت عليه جعلتني مذهولاً من المفاجأة.
- منذ زمن بعيد جداً لم أرَ احداً
- كم مضى على بقائي نائما يا سيدي؟
- ما يكفي لأن تستريح...!
- ألم يطلع النهار؟
- هنا لا يوجد نهار , الليل... وفقط الليل!
- ما الأمر يا والدي لماذا يبدو كل شيء هنا غريبا مرعبا ، لماذا لا يتوقف هذا المطر؟
- هل ترى غيوما في السماء؟ سأل الرجل العجوز
- ايها العجوز ... كل شيء مظلم هنا
- ان هذا المكان ملعون يا ولدي ولا اريد لك ان تبقى سجينا معي هنا.
- ماذا تقصد ؟!
- لا وقت للشرح الان , اسمع ... عليك ان تخرج الآن فيما الفرصة لا زالت بين يديك ، توجه نحو الباب التي دخلت منها الى عالمي فهي لم تقفل بعد ... هيا اذهب الان بسرعة!
صعقت عندما وقف امامي ذلك الهرّ الاسود معترضا طريقي وهو ينظر لي شزرا وبدأ يموء بصوت مرتفع بشكل غريب ومرعب ثم اصابني الذهول و جمد الدم في عروقي عندما نظرت اليه وهو يتكلّم
- لن تذهب الى اي مكان ... ستبقى هنا الى الابد.
وفجأة سمعت صرخةً من ورائي فرأيت الرجل العجوز عند باب المنزل الصغيرة
- كلا ... لن تجعل منه سجيناً آخر هنا.
- اخرس ايها العجوز سأنتهي منك في النهاية وسيحلّ هو في محلّك
ثم ركض الاعمى باتجاه صوت القط ورمى بنفسه نحوه واستطاع ان يمسكه من رقبته لكن الهرّ المرعب بدأ يكبر في حجمه ويزأر بصوت مرتفع ودخلا في صراع في باحة المنزل والبرك الموحلة.
- هيا اخرج من هنا بسرعة ... صرخ الرجل العجوز.
- اخبر الجميع.. انقل حكايتي.. اخبرهم انني وهبت نفسي للشيطان من اجل خلود ملعون... اخبرهم انني تعاهدت مع الظلام الى النهاية.
عمار حميد مهدي