عمار حميد مهدي - آلة الحلم

كان الخوف والقلق يتملّكني من احتمال الفشل ، فبعد جهودٍ مضنية وأبحاثٍ طويلة وتجارب مصحوبة بالتعب والتفكير والاصرار توصلت الى صناعة آلة اطلقت عليها اسم آلة الحلم ، كنت قد تعمّقت في دراسة طبيعة النوم لدينا نحن البشر وحالة الاحلام التي نعيشها في منامنا ، وكان عمل آلتي الرائعة هذه يتمثل في انها قادرة على عرض الحلم في شاشة مراقبة يشرف عليها شخص يشاهد الحلم وبإمكانها ايضا ان تجعل النائم يتوغل عميقا في مناطق حلمه ليبقى فيها لأطول فترة ممكنة والذهاب بعيدا في عالم الاحلام ، ولكن يجب على الشخص القائم على تشغيل الآلة مراقبة الوقت والحدود التي يذهب اليها النائم ليضمن عودته الى عالم الاحياء فيما بعد والا فأنه لن يعود أبداً.

خضت عملية اختبار آلة الحلم بمساعدة صديق لي كان له نفس الاهتمام والشغف المشترك لكشف اسرار عالم الاحلام وكانت النتائج مذهلة حقا فلقد اكتشفت عمق الصلة بين خيال الانسان واحلامه ومصادر الابداع الخلاٌّق الكامنة في احلامنا وتجوّلت في مساحات واسعة من الذكريات المخزونة التي توقظها الاحلام لتعرض نفسها في هذا العالم الا انني لم استطع التوصل الى فهم تلك المنطقة المجهولة الموجودة في عالم احلام كل واحد منّا ، تلك المنطقة كانت عبارة عن وادٍ سحيق اسود ينبعث منها كلما نشطت برق ذو وميض ازرق والغريب فيه انه كان ينبعث بشكل بطيء كأنه بخار يتصاعد نحو الاعلى وعلمت فيما بعد ان هذه الهوة هي التي اطلق عليها علماء التحليل النفسي في الماضي تسمية (deja vu) او (شوهد من قبل) وهي احلام تتحقق في الحياة الواقعية لتوقظ الحلم ذاته وتوحي لنا اننا قد عشنا هذه اللحظة من قبل كأننا كنا في مرحلة من مراحل كياننا نرى المستقبل.


لكنني كما قلت لكم انه يجب اخذ الحيطة بعدم الذهاب بعيدا في متاهات الاحلام ولكي اضمن عودتي الى عالم الاحياء طوّرت تقنية تسمح لصديقي الذي يراقب احلامي ان يتدخل في الوقت المناسب لينبّهني وكان التنبيه يأتيني على شكل صوت خارجي يأمرني بالعودة او ارى باباً يُطرق امامي فأفتحه لأرى شخصا مجهولاً يقول لي انك ستتأخر عن العمل ، فكانت أشبه بشبكة صيد تنتشلني في حالة غوصي العميق وبدونها لا اعود ابداً.

ولذلك حدثَ انه في احدى جولاتي للغوص في عالم احلامي انني رأيت من الافق البعيد طيفا يقف عبر ضباب كثيف ، ولأننا في عالم المنام نكون امام أمرين لا ثالث لهما عندما نرى شخصا فنحن إما نعرفه او لا نعرفه ولا مجال للشك في الحلم وللأسف فقد اكتشفت ان الطيف الماثل امامي كان صديقي الذي من المفترض ان يراقب عبر الشاشة حلمي وينبهني في حال ذهابي بعيدا في متاهات الحلم فعرفت انه قد غلبه النعاس وتمكن النوم منه اثناء مراقبته لحلمي.

شعرت بالخوف والرعب من احتمال انني قد ذهبت بعيدا في احلامي وقد لا اعود ابدا ، حاولت ان اصرخ على طيف صديقي لأجذب انتباهه ولكنه كان بعيدا بالنسبة لي لأنني كنت في منطقة بعيدة وعميقة في عالم الاحلام ، بحثت عن طريق للعودة ولكن الوقت فات على ذلك.

حدث ذلك منذ اكثر من عشرون عاما وها انا الآن اتجول في عالم الاحلام ، أتنقل ما بين احلام ابنائي واخواني واخواتي وزوجتي الحبيبة التي كانت تبكي عندما رؤيتها لي في المنام فأقول لها من مكاني البعيد ، لا تحزني يا عزيزتي ، سأبقى ازوركِ في الاحلام كل يوم.

عمار حميد مهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى