المستشار بهاء المري - إشكالية تفتيش المتهم بمناسبة تفتيش منزله، أو تفتيش شخص آخر وُجد معه

أجازت المادة 49 إجراءات جنائية لمأمور الضبط القضائي في أثناء تفتيش منزل المتهم، تفتيشه هو وأي شخص موجود معه، متى قامت قرائن قوية على أنه يُخفي معه شيئا يفيد في كشف الحقيقة.
في حين أن دستور 2014 في مادته 54 نص على أنه ".... وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق".
ولما كان الدستور هو القانون الوضعي الأسمَى صاحب الصدارة، وعلى ما دونه من التشريعات النزول عند أحكامه، فإنه إذا ما تَعارضت هذه وتلك، وجب التزام أحكام الدستور وتعطيل ما سواها، لا سيما إذا كان نص الدستور صالحاً بذاته للإعمال بغير حاجة إلى سَن تشريع أوفى، وهنا يلزم إعمال هذا النص، ويعتبر الحكم المُخالف له في هذه الحالة، سواء كان سابقاً أو لاحقاً على العمل بالدستور قد نُسخ ضمناً بقوة الدستور نفسه، لما هو مُقرر من أنه لا يجوز لسلطة أدنى في مدارج التشريع أن تلغي أو تعدل أو تُخالف تشريعاً صادراً من سلطة أعلى، فإذا فعلت السلطة الأدنى ذلك تَعين على المحكمة أن تلتزم تطبيق التشريع صاحب السمو والصدارة ألا وهو الدستور؛ وما عداه من أحكام متعارضة معه أو مخالفة له تعتبر منسوخة بقوة الدستور.
وبناء على ذلك، فإنه يجوز تعطيل حكم المادة 49 إجراءات جنائية، وتطبيق حكم المادة 54 من دستور 2014 في حالة تفتيش شخص سواء أكان المتهم أم شخص آخر وُجد في منزل الأول بمناسبة تفتيشه، والقضاء ببطلان هذا التفتيش متى كان سنده قيام قرائن ضده، أما إذا كان تفتيش أحدهما ينبني على توافر حالة من حالات التلبس فيكون التفتيش صحيحا استنادا إلى حكم المواد 30، 34، 46/1 إجراءات جنائية.
وإن هذا القول مجرد امتداد لما انعقد عليه الإجماع من حق المحاكم في رقابة قانونية اللوائح أو شرعيتها، وما جرى عليه قضاء محكمة النقض من الامتناع عن تطبيق اللائحة المخالفة للقانون، بينما يختص القضاء الإداري بإلغاء هذه اللائحة، ومن غير المقبول أن يُقرَر هذا الحق للقضاء العادي، بينما يمنع من رقابة مدى اتفاق القوانين مع قواعد الدستور وعدم مخالفتها له، فهذان النوعان من الرقابة القضائية ليسا إلا نتيجتين متلازمتين لقاعدة تدرج التشريع، وليس من المنطق –بل يكون من المتناقض – التسليم بإحدى النتيجتين دون الأخرى، فما ينسحب على التشريع الفرعي من تقرير رقابة قانونية أو شرعية، ينبغي أن ينسحب كذلك على التشريع العادي بتخويل المحاكم حق الامتناع عن تطبيق القانون المخالف للدستور.
كما يؤكد هذا النظر أيضا أن الدستور أناط بالمحكمة الدستورية العليا حق تفسير النصوص التشريعية وأوضحت المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم 48 لسنة 1979 حق جهات القضاء الأخرى في هذا الاختصاص.
فرغم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالتفسير الملزم للكافة، فإن المشرع لم يسلب هذا الحق من المحاكم؛ ما دام لم يصدر قرار بالتفسير من المحكمة الدستورية العليا أو من السلطة التشريعية، وهو ذات الشأن بالنسبة لامتناع المحاكم عن تطبيق القانون المخالف للدستور؛ ما دام لم يصدر من المحكمة الدستورية العليا حكم بدستورية النص القانوني أو عدم دستوريته.
وقد أيدت المحكمة الدستورية العليا هذا الاتجاه بطريق غير مباشر وذلك عندما قضت محكمة النقض بتاريخ 24 من مارس سنة 1975 باعتبار المادة 47 من قانون الإجراءات الجنائية تخالف نص المادة 44 من الدستور واعتبرتها منسوخة بقوة الدستور ثم جاءت المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 2 من يونيو سنة 1984 وقضت بعدم دستورية المادة 47 من قانون الإجراءات الجنائية في القضية رقم 5 لسنة 4 قضائية دستورية ولم تذهب المحكمة الدستورية العليا إلى القول بأن قضاء محكمة النقض السابق جاوز اختصاصه أو فيه اعتداء على سلطة المحكمة العليا التي كانت قائمة قبل المحكمة الدستورية العليا وبذات الاختصاص.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى