خالد جهاد - نزوة

لا يشبع أحدنا من الحب مهما ادعى عكس ذلك، لكن تظل لكلٍ منا نظرته الخاصة فيما يجسد معناه وطريقته التي يتمناها لنفسه، وما يتناسب مع المرحلة التي يعيشها في أعماقه بعيداً عن مقياس العمر سواءاً اختلفنا معها أم اتفقنا، ولا شك أن الحب بأنواعه المختلفة والمتشعبة تغير بتغير الزمن والمجتمع وظروف الحياة، حيث لم يعد موجوداً بنفس مفهومه الشاعري الحالم القائم على الكثير من مبادىء الوفاء والإخلاص والتضحية لأجل الآخر رغبةً في البقاء معاً رغم كل الظروف، فطفت الأنانية على السطح واخترقت المصالح جوهر هذه العلاقات اعتقاداً من البعض بإمكانية تحقيق السعادة من خلال الجمع بين المادة والمشاعر دون تعارض أحدهما مع الآخر كإحدى سمات المرحلة الحالية، دون أن يدرك أن مجرد وجوده (بما يمثله من القيم) مجتمعة كفيلٌ بإزاحة الآخر من المشهد برمته كون اللقاء بينهما بالغ الصعوبة..

وبرغم انغماس الكثيرين في خياراتهم إلا أن أحدنا لا يعلم حقاً ما الذي قد يدفع البعض للإقدام عليها، أو لإختيار طريقٍ ما في الحياة وإن كان لا يناسبه لأننا بشكل ٍ عام لا نعرف فعلياً ما يعيشه الآخرون، ولأن الحقيقة تكمن في التفاصيل التي لا نراها على الأغلب، ولكن بعض الظواهر تستوقفنا رغماً عنا لغرابتها أو لصدورها عن شخص ٍ لا نتوقع منه ذلك، فلا ينكر أحدنا أن تطلعات الجميع وأولوياتهم قد تغيرت كما تغيرت المعايير التي يعيش الناس بها حياتهم فنجدهم يرفضون ما كانوا يقبلونه بالأمس، سواءاً كان بسبب النضوج الطبيعي الذي يرافق التقدم في العمر واكتساب الخبرة التي تعطينا قدرة أفضل على اتخاذ القرار المناسب، أو بسبب تعرفنا على جانبٍ آخر أو طريقة في الحياة وجدنا أنها تناسبنا أكثر وتجعلنا نشعر بأننا أفضل..

وتدخل العلاقات الإنسانية ضمن هذه المتغيرات من حبٍ أو صداقة أو زمالة لتأخذ منحىً أكثر انتقائية وهو أمرٌ صائب، لكن ما يحير القلوب قبل العقول هو اختيار الشخص أحياناً للإنخراط في علاقةٍ لا تناسبه ولا تناسب قيمته كإنسان، لا تليق بتفكيره أو مشاعره أو مشواره في الإرتقاء بذاته، ولا تتناسب مع سنوات النضج التي قطعها بينما يعيش قلبه في حالةٍ من العطش والتعب المتراكم وربما الوحدة، يحتاج فيها إلى شخصٍ جدير بأن يشاركه لحظاته كما يستحقها فعلاً، لكنه قد يسقط في ما يمكن أن نعتبره (نزوة) والتي لا تأخذ شكلاً ثابتاً في العلاقات بل قد تتخذ أبعاداً مختلفة ومتدرجة تماماً كما هو أثرها عليه..

فجميعنا يدرك بشكلٍ ما أن العواطف لا تخضع دوماً للمنطق، وأنها بقدر ما تبعث الأمل في نفس صاحبها قد تصل به أيضاً لمرحلةٍ مدمرة، خاصةً عندما يعشق بكل صدق وشغف ومحبة مدفوعاً بماضٍ يحمل الكثير من البؤس والحرمان والألم وغياب الحب الذي قد يجعل من شخص ٍما محور الكون في نظره، ومما يحول حبه له إلى غطاءٍ يمنعه من الرؤية الصائبة لطبيعة العلاقة وظروفها وتناسبها معه والتي قد تدفعه إلى خياراتٍ لا ينبغي أن يقبل بها لأنه يستحق ماهو أفضل بكثير، والتي قد يكون أحدها أن يكون بديلاً مؤقتاً أو طرفاً هامشياً والتي قد يقبل بها البعض أو يقبل بما هو أسوء من ذلك خوفاً من (خسارة) هذا الحب الذي يقوده إلى خسارة نفسه..

فمن الخطأ أن نربط جنون الحب بالمراهقة لأن الحب لا عمر له، كما أن الحب يزداد عمقاً في سن النضوج ويزداد بتقارب الأفكار والأذواق والثقافة والخلفية الإجتماعية وتشارك الذكريات مما يجعله أكثر خطورة ويحتاج إلى إعمال العقل والتفكير في عواقبه، لأن هذه الحالات التي كانت تطرح كإستثناء باتت اليوم في تزايدٍ مستمر ولا تحظى بنفس الإستغراب التي كانت عليه سابقاً، بل باتت تشق طريقها إلى مختلف فئات المجتمع دون استثناء حتى بين الفئات المتعلمة والمثقفة والتي كثيراً ما قادت إلى انهيار حياة العديد من الأسر.. مما يدفعنا إلى التساؤل لم بات الإنسان أكثر أنانية بحيث لا يمانع من تحقيق سعادته على حساب قلوب الغير؟ ولماذا باتت الخيانة أمراً واقعاً يصعب تغييره فأصبحت طبيعيةً لدى البعض؟.. ولماذا يقبل الكثيرون بأن يعيشوا كنزوة أو أن يعيشوا في نزوة وهم في أمس الحاجة إلى حبٍ حقيقي ٍ يحتويهم ؟..كمن جاع إلى وطنه فالتهم جواز سفره ليصبح بلا عنوانٍ أو هوية..

تعليقات

ج
  • جهاد عبد الرحمن اسحق الملخ

لله درك وكم بت أترقب كتاباتك اليوميه بكافة المواقع التي تنزل كتاباتك فيها وأشهد الله أقول رأيي في كل كتاباتك بكل نزاهة وتجرد ومنذ اللحظة الأولى منذ وقعت كتاباتك بين يداي وأبصرتها عيناي أود الإدلاء برأيي وتعليقي في كل كتاباتك وما كتبت وماستكتب مترقبا مقالتك اليوميه او شبه اليوميه متنبأ لك بمستقبل عظيم بما أرصده في كتاباتك بحسك المرهف وذوقك العالي ودقتك في اختيارك لكل كلمة تخطها تخاطب فيها عقل القارئ وتدخل القلب وتلامس أحاسيسه بكل صدق وواقعيه وتلقائيه دونما استئذان وتعكس شخصية متمرسه وبثقافه عاليه واعيه ناضجه وكأنك النطاسي المتمرس البارع والحامل لمبضع طبيب جراح ولا أدري إن يسمح لي بإطالة واستفاضه قد لاتفيك حقك فيما تبدع بكل ماتكتب وحسن اختيارك وتنوعك في اختيار العناوين والمواضيع وهل لي أن أسميك بالكاتب الأديب الشاعر والناقد والباحث والمفكر ولا أملك إلا أن أقول بكل نزاهة وتجرد بأنك كاتب مبدع في كل ماتكتب وتضع بين يدي القارئ من مواضيع وعناوين لك فيها التميز والتنوع والتفرد والواقعيه والجرأه والشجاعه في التطرق قد لايكون أحد سبقك للكتابة فيها وفقكم الله ولكم كل الاحترام ولكل منابر الرأي والنوافذ التي تطل علينا من خلالها
 
أعلى