محمد السلاموني - فى المسألة الأوكرانية، الغرب البرجماتى والديموقراطية والخونة العرب

كى نفهم الموقف الغربى من الحرب الروسية الأوكرانية، على مرجعية الدفاع عن المصالح الغربية- كما بات معروفا الآن تماما- سنعود إلى الفلسفة "البرجماتية" المؤسسة له فى المجتمع الرأسمالى.
الديمقراطية ومفهوم الحق والحقيقة:
الأمريكان والأوربيون، بلا إستثناء، يتحدثون عن الحرب الروسية الأوكرانية كالتالى:
ـــ أو كرانيا بلد مسالم، لم يعتدى على روسيا، وروسيا هى المعتدية.
ـــ الشعب الروسى يرفض الإعتداء على أوكرانيا، أما قرار الحرب فقد اتخذه بوتين والكرملين فقط .
لاحظ أنهم لا يتحدثون عن أن انضمام أوكرانيا لحلف الناتو يمثل تهديدا للأمن القومى الروسى، هذا فضلا عن أنه يعد خرقا للإتفاقيات المعقودة بين البلدين... هم يتحدثون فقط عن "حق أوكرانيا" فى الإنضمام إلى الحلف الذى ترى أنه يحقق مصالحها .
وبالتالى، فرفض روسيا لحرية أوكرانيا فى تقرير السياسات التى ترى أنها محقِّقة لمصالحها، غير مبرر... كما أنهم يستندون فى تبرير موقفهم العدائى لروسيا إلى أن القانون الدولى ينص على وجوب عدم الإعتداء على دولة مستقلة عضو فى الأمم المتحدة... إلخ.
عندما تتناول هذا المنظور بالتحليل العميق، يمكن لك أن تتعَرَّف بنفسك على المفهوم الغربى للديمقراطية:
ـــ الديمقراطية الغربية، فى حقيقة الأمر، وبعيدا عن التعريفات النظرية البرَّاقة، تعنى أن تنحاز لمصالحك العملية فقط . وبالنظر إلى الممارسة العملية لمفهوم الديمقراطية، سنجد أنه يتمحور حول إلغاء المسافة الفاصلة بين "موقفك السياسى" و"مصالحك"، أعنى أنك تعبِّر عن موقفك المرتبط بمصالحك العملية؛ "بمنفَعتِك"، وليس بشئ آخر، ذلك أن الحقيقة لديهم ترهن نفسها بالتحقق الواقعى. وبذا تنتفى التصورات النظرية وما إذا كانت صادقة أم كاذبة، كما تنتفى الموضوعية تماما- فأنت لن تدافع عمليا عن مصلحة شخص آخر أو بلد أخر "إحقاقا للحق المجرَّد" بل فقط "إحقاقا للحق الذى هو منفَعَتُك الخاصة"...
وعلى مرجعية هذا التعريف للحق بإمكانك مراجعة المواقف الغربية من جميع القضايا العربية وغيرالعربية...
الفلسفة البرجماتية:
يقول "بيرس"- رائد هذه الفلسفة، وصاحب المصطلح، : "السلوك هو المعنى الحقيقى للفكرة، كما أن تحققها العملى هو دليل صحتها].
أما "جون ديوى"، فيذهب إلى أن [البراجماتية فلسفة معاكسة للفلسفة القديمة التي تبدأ بالتصورات، وبقدر صدق هذه التصورات تكون النتائج، فهي تدعُ الواقع يفرض على البشر معنى الحقيقة، وليس هناك حق أو حقيقة إبتدائية تفرض نفسها على الواقع].
كما أن "وليام جيمس" ذهب إلى أن [المنفعة العملية هي المقياس لصحة هذا الشيء].
هكذا، فبعد نفى الحق ومن ثم الحقيقة، كتصَوُّرين موضوعيين مجردين وإلحاقهما بالمصالح الذاتية، تستند البرجماتية إلى "القوة"؛ فهى الواقع الوحيد الممكن الذى"يفرض على البشر معنى الحقيقة"...
وهو ما يعنى أن "المعرفة /أداة/ للعمل ووسيلة للتجربة الواقعية"- أى أن المفاهيم والقوانين العلمية والنظريات... إلخ، مجرد "أدوات" أو وسائل، أى "خطط عمل"، فائدتها تكمن فقط فيما يمكن أن تحققه من نتائج عملية "نفعية"؛ يقول "بيرس": [فكر في التأثيرات العملية للأدوات من خلال تصورك. ثم، فإن تصورك لهذه التأثيرات هو كل تصورك لتلك الأدوات.].
وفى إجابته عن سؤال: "كيف نوضح أفكارنا"، يذهب بيرس إلى وجوب أن [نحدد السلوك الذى يمكن أن ينتج عنها، فليس السلوك بالنسبة لنا سوى المعنى الوحيد الذي يمكن أن يكون لها]. كما أنه صاحب فكرة وضع "مبدأ العمل" كمبدأ مطلقً؛ يقول : [تصورنا لموضوع ما إن هو إلاَّ تصورنا لما قد ينتج عن هذا الموضوع من آثار عملية لا أكثر].
// هكذا، تلك هى المفاهيم الأساسية الحاكمة للرأسمالية الغربية "كما تبدو فى الممارسات الواقعية"...
وفى الحقيقة، ما لا أفهمه، هو موقف المدافعين عن الغرب ضد روسيا...: ياسادة، كى تكونوا أمريكيين بحق، عليكم بالدفاع عن مصالح بلادكم وشعوبكم، وليس عن مصالح بلدان وشعوب أخرى. عليكم ألا تنحازوا سوى لأنفسكم ومصالحكم، وما عدا ذلك "جهل مطبق، وخيانة فاضحة"...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى