محمد السلاموني - السرد الروائى الواقعى "الواقع والجمال"

[منذ نشأتها والرواية تسعى لتقديم مقاربة جمالية للواقع...].
تكمن مشكلة هذه العبارة فى التأويل الذى اقترحه المنظور السوسيولوجى بعمقه المثالى والمنظور التاريخى بعمقه المادى... كتعريف للـ "واقع" من ناحية، وللـ "جمال" من ناحية أخرى، مما ارتد بالضرورة إلى تعريف "النوع الروائى".
بادئ ذى بدء، تتسع "السوسيولوجيا- بماهى علم الإجتماع" لجميع التيارات الفكرية، بما فيها التيار الماركسى، أما "السوسيولوجيا- الخاصة"- حتى فى حال استنادها إلى إحدى النظريات الإجتماعية "غير الماركسية"- فينصب اهتمامها على تقديم مقاربة واصفة، راصدة للتناقضات ومن ثم للتحولات الإجتماعية "كديستويفسكى بواقعيته السيكولوجية، وتولستوى بواقعيته الأخلاقية"، دونما إشارة إلى ما يمكن أن يؤول إليه المستقبل.
أما الواقعية الإشتراكية، فوفقا للمنهجية الدياليكتيكية للمادية التاريخية، تتميز باستشراف الأفق المستقبلى الذى ستسفر عنه تلك التناقضات؛ الذى هو الثورة الحتمية للطبقة العاملة .
من هنا أمكن للسرد الروائى "التخييلى" أن ينغمس فى الإجتماعى والتاريخى معا، مع الأخذ بالإستشراف المستقبلى أو تعليقه.
الديستوبيا واليوتوبيا:
فى الروايات الواقعية عامة "الأمريكية والأنجليزية والفرنسية والروسية..." على الرغم من الرصد الكثيف للواقع "الديستوبى- الشرير والفاسد"، إلا أننا نلاحظ أن السرد يسعى بدأب لمناقضة تلك الوضعية بصور أماكن عديدة، حين نراها نشعر كما لو أنه سبق لنا الوجود هناك ، إنها الأماكن التى لا نعرفها فى أنفسنا، والتى نظل نحوِّم حولها مدفوعين بحنين جارف، وبخوف أيضا... وإذا كان "فرويد" يذهب إلى أن [فيما عدا جسد الأم، ليس هناك البتة مكان آخر نستطيع القول بقدر من اليقين أننا كنا فيه بالفعل]، فـ "رولان بارت" يضفى مزيدا من الإيضاح على ما ذهب إلى فرويد، بقوله إن جوهر تلك الصور، المتعلقة بـ "المناظر الطبيعية تحديدا"، يثير رغبة حميمية، تستنهض "الأم" بداخلنا... وأضيفُ: هذا هو ما أعنيه بـ "اليوتوبيا"
هنا.
الأفق الشعرى الأسطورى "اليوتوبى" هو ما يتخلل السرد الواقعى الديستوبى- ويبدو أشبه بالجَنَّة التى يحلم بها السارد والشخصيات، الجنة القابعة فيما وراء الواقع الجَهم، كرغبة داخلية عميقة...
هنا يحضر الإنسان بكُلِّيَّته، إذ يستحضر تاريخه الثقافى معه بلغة رمزية لا واعية "بذل يونج جهودا كبيرة فى محاولة فك شفراتها"...
بإمكاننا أن نعثر على تجليات المناظر الطبيعية "غابات، حدائق، بحار، انهار، فضاءات مفتوحة، سماء، لحظات الميلاد والموت والحب واللهو..."، فى السرد الأدبى بأشكاله العديدة، لاسيما فى المجازات التى تقتحمنا فجأة كقُرَّاء دون أن نعثر على ما يبرر ذلك الإقتحام الفجائى من داخل النصوص ذاتها.
// السرد الروائى، يُعَرِّف الإنسان بما يفيض عن جميع الآفاق الضَّيِّقة للنظريات المعتمدة، أيا كان نوعها...
من هنا، يتسع السرد الروائى بمفهوم "التاريخ"، متجاوزا الوقائع المادية، ليشتمل على كل ما هو إنسانى... وهو ما يعنى أن "الواقع" فى الرواية، لا يتحدَّد كمفهوم "بما هو خارجى فقط ؛ أى بكل ما يقع خارجنا"- كما تقول الماركسية بلغتها العقلية المؤدلجة. الواقع "أى الحادث، الحاصل" يتسع للأحلام والأوهام والأساطير، والعوالم الداخلية برمتها...
أما "الجمال" فينبع من تقاطع الخارج والداخل، ومن لغة يتقاطعان فيها، فتَنِز عسلا من مجازات هى مقاربات كونية مصاغة بالرموز...
// نعم، الرواية الحقيقية تنطوى على "معرفة جمالية" أكبر بما لا يوصف من كل المعارف الأخرى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى