فاتن فاروق عبد المنعم - مذبحة الأرمن (2)

انحياز مفضوح:

كلفت الحكومة الأمريكية كلا من إموري نايلز وآرثرسيزلاند (معلوم أنهما متطرفان)مع آخرين بالتجول في شرق الأناضول بعد الحرب العالمية الأولى وتقديم تقرير عن الأوضاع هناك كي يقدموا إعانات للاجئين هناك، انفصل الرجلان عن بقية رفقائهم وقاما بالتجوال للوقوف على الحقيقة، فتنزها عن أي انحياز دينيأو عداوة مسبقة لصالح الحقيقة الماثلة أمامهما (وهذا ما يحمد لهما) فذكرا في تقريرهما:

«المنطقة الممتدة من بتليس عبر وان إلى بايزيد، أخبرنا بأن الضرر والتدمير في هذه المنطقة كانا من فعل الأرمن بارتكاب أعمال قتل واغتصاب وإحراق عمد للممتلكات وأعمال وحشية رهيبة من كل وصف ضد السكان المسلمين، كنا في البداية في ريب كبير بشأن تلك الروايات، لكننا توصلنا في النهاية إلى تصديقها، لأن الشهادات كانت بالإجماع بكل ما في الكلمة من معنى، وجرى تأييدها بالأدلة المادية، على سبيل المثال، كانت الأحياء الوحيدة التي ظلت سليمة في مدينتي بتليس ووان أحياء أرمينية، كما كان جليا من الكنائس والكتابات على البيوت، بينما كانت الأحياء المسلمة مدمرة على نحو كامل، ولا تزال القرى التي قيل إنها كانت أرمينية قائمة بينما القرى المسلمة مدمرة بالكامل»

وقال آرثر ونايلز أن جرائم الأرمن ضد الأتراك ماثلة وحقيقة رأوها بينما جرائم المسلمين ضد الأرمن استندت إلى الشائعات، أما هذا التقرير فكان مصيره متاهة الأرشيفات، فقد تم إهماله عن عمد مع تقارير أخرى كثيرة.
وكتب الأمريكان عن حالة شرق الأناضول بعد الحرب:

«أن المكان مقفر أتلفت فيه المحاصيل والبيوت وأرواح البشر»

فضلا عن شهادة اللاجئين القادمين من جهة أرمينيا، تحدثوا عن المجازر الوحشية والفظاعة التي ترتكبها الحكومة الأرمينية والشعب والجيش ضد السكان المسلمين.
يقول المؤرخ التركي سوسلو:

«يوجد لدينا حتى الآن مقابر جماعية تبلغ أكثر من مائة مقبرة للأتراك الذين قتلوا على يد الأرمن في المنطقة الممتدة عبر موش وبتليس وفان وقارص وأرضروم حتى أنقرة وقيصري وسيواس، وقد تم استخراج آلاف الجثث من المقابر الخمس الأولى فقط التي تم فتحها»

أما جهات تقصي الحقائق التركية فقد أفادت بأنها لم تستطع إحصاء جميع القتلى نظرا لأنه حدثت الكثير من المجازر والتي تسببت في إبادة قرى بكاملها ولم ينج منها أحد ليروي الحادثة، وفي كثير من هذه القرى قد تم إلقاء الجثث في المجاري المائية والآبار، وتم إحراق بعض الجثث أو هدم البيوت على البعض وتركهم تحت الأنقاض وتم عمل مقابر جماعية لهم.

فر المجندون الأرمن من الجيش العثماني والتحقوا بالجيش الروسي وأمدوه بمعلومات استخباراتية عن الجيش العثماني، كذلك قام أرمن القوقاز بإيقاع أنفسهم في أسر الجيش العثماني ثم هربوا للاتحاق بالجيش الروسي يمدونه بمعلومات استخباراتية عن الجيش العثماني.
مذابح المسلمين على يد الروس وقطاع الطرق الأرمن:

رسائل حكام ولايات أرضروم وبتليس ومعمورة التي أرسلوها للعاصمة تفضح ما حدث، حيث قام الروس والأرمن بقتل ألفين من المسلمين، وقاموا بإعدام آخرين أما الذكور فوق الأربعة عشر فقد ساقوهم إلى مكان مجهول، وفي مناطق أخرى لم يتركوا مسلما واحدا على قيد الحياة، وهناك قرى أحرقت بسكانها وأخرى تركت ليموت سكانها هلاكا من الجوع.

الأطفال في مستشفى بتليس تم ذبحهم بوحشية، أما أطفال قرى باليكان وكوريسس فقد أطعموا جثثهم للكلاب، وفي مناطق أخرى تم حرق المسنين واغتصاب النساء بشكل جماعي وعلني واختاروا منهم عشرة حبسوهن في حجرة، وفي المساء أثناء الاحتفال والسخرية قاموا بنزع ملابسهن وصاحوا:

«الآن قوموا بأداء صلاتكم وتعبدكم دعونا نرى كيف تؤدونها»

وأجبروهن على تنفيذ ذلك جيدا وعندها بينما هم يغتصبونهن ويعذبونهن سقطن قتلى تحت وطأة التعذيب والاغتصاب، وتم بقر البطون وقطع رؤوس الأجنة أما الأطفال دون السادسة فقد جردوهم من ملابسهم وقاموا بتقطيع أعضائهم التناسلية أما بقية الصبية والأطفال فقد ذبحوا وطعنوا بالسيوف والحراب (السنوكي أو الخنجر الموجود في مقدمة البندقية)، وفي بعض المناطق تم شوي الجثث وإجبار الأحياء على أكلها، ومن الضحايا من حرقوا أحياء، ونبشوا المقابر وقاموا بإلقاء القاذورات على الموتى، والمناطق التي سيطروا عليها أحالوا فيها المساجد إلى كنائس.

ومن أساليبهم الوحشية قطع الشفاة والأنف والأذن، وفي بعض المناطق يفقأون عيون الناس بأسياخ من الحديد الساخن وتعذيبهم ثم قتلهم في النهاية، وقاموا بإلقاء الأطفال الصغار في الماء المغلي أمام آبائهم ثم إجبارهم على أكل لحوم أبنائهم المسلوقة وفي النهاية يقتلونهم أيضا، وقاموا بحفر الأنفاق أسفل بيوت المسلمين لتهدم فوقهم.

وفي بايزيد قام الأرمن باحتجاز المسلمين الذين خرجوا لصلاة العيد أو للتزاور وأخذهم كرهائن ثم ذبحوهم، وقاموا باحتجاز الأطفال من سن الثالثة وحتى العاشرة وتقييد أيديهم من الخلف وإجبارهم على الجلوس فوق جثث وأشلاء الضحايا ثم قاموا بسكب الكيروسين عليهم وإضرام النيران فيهم، عدد سكان هذه المقاطعة خمسة عشر ألف نفسا، تم إبادة أربعة عشر ألفا، وتم أخذ خمسمائة كأسرى، وخمسمائة تمكنوا من الفرار بصعوبة شديدة.
شهادة الناجين:

دخل الروس والأرمن مناطق أليشكرت، هينيس، قارة كيليسا، شاتاكا، موكوس، موش، أقجان، فارتكبوا الفظائع التي رواها الناجون فقالوا:

«الروس والأرمن مثل الدببة الطليقة تهاجم القرى وتسفك الدماء، وتحول القرى كلها إلى اللون الأحمر، الرجال والنساء قد تعرضوا لمجزرة في أرال كيوي التابعة لإليشكرت، إنهم الأرمن والروس، في خلال يومين فضوا بكارة 23 فتاة مسلمة، واغتصبوا فتيات ونساء متزوجات حديثافي قرى مالاكولاك،وفي هينيس أكثر من مائة طفلا ذبحوا مثل الخراف، اثنتان من النساء الحوامل بقرت بطونهن وانتزعت الأجنة منها بآلات حادة متشعبة الرؤوس، وثبتوا الأجنة على رؤوس الرماح، ثم عرضوهم أمام آبائهم، بعض السكان المسلمين، قطعت رؤوسهم، وبعض الآخرين قطعت آذانهم وأنوفهم وأيديهم، وسملت أعينهم، وبعد أن سلخوا جلودهم قاموا بسكب الكيروسين عليهم وأضرموا فيهم النار، تلك فقط نماذج ومقتطفات للفظائع التي ارتكبوها»
وآخرين قالوا:

«الأرمن اصطحبوا معهم اثنتين من النساء المسلمات الحوامل، شكلوا حولهما دائرة وجاء اثنان من جنود الروس، واثنان من جنود الأرمن وتراهنوا على جنس المولود ب 2 مجيدية (عملتهم) وقاما ببقر بطني المرأتين، فكان أحدهما ذكر والآخر نزل قطع من اللحم المتقطع، ثم قاما بالتشاجر حول جنس الجنين الذي لم يتشكل بعد»

وآخرين تحدثوا عن اغتصاب النساء في مناطق أخرى بل وتعليقهم على الأشجار وجعلهم هدفا للجنود، ومن البيوت من أحرقوها بسكانها وأحرقوا مباني حكومية، فضلا عن الاستيلاء على ممتلكات سكان هذه المقاطعات والقتل والحرق والتمثيل بالجثث هذا يعد من الأساسيات في أدبياتهم.

الحقيقة أن تناول هذه الجريمة الآن ليس إلا لتبيان حقيقة دعاة الإنسانية والرحمة والمحبة وحقوق الإنسان وإلى آخره مما يعد من قبيل الترهات في تقديرهم بل ولا يساوي الحبر الذي كتبت به، لأنها فقط تطبق على بني دينهم، قديما وحديثا، في كل زمان ومكان، فهؤلاء هم أجداد الحاليين الذين ينعتوننا كمسلمين بكل نقيصة، وأنهم عندما يتمكنون من المسلمين لا يفعلون غير ذلك (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ 10 التوبة)

يدعمهم بالطبع في بلادنا الطابور الخامس من منافقي المسلمين، وغير المسلمين بعامة بغضا للإسلام نفسه، ليرسخوا في الوعي الجمعي بأننا الإرهابيون بينما الإرهاب يتوارى خجلا من فظائعهم قديما وحديثا، وليس ذلك فحسب وإنما لديهم القدرة على قلب الحقائق والموازين، مستخدمين في ذلك كل الوسائط المتاحة ذات التأثير على القاعدة العريضة من البشر في كل مكان، على رأسها السينما والدراما والكتابات بأنواعها التي تناولت الحدث طبقا لمرادهم وليس نزولا على الحقيقة، في المقابل غلت أيدي القائمين على هذه الوسائط في بلادنا لأنهم خير معين لكل طاعن في هذا الدين والمنتمين إليه، فتبنوا نفس الخطاب بنفس وجهة النظر المجافية للحقيقة.

وللحديث بقية إن شاء الله

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى