منذ ستةِ شهورٍ والأقفاصُ على حالها لم تحركْها يدٌ غريبة ٌ أنا فقط من يمد لها يدَ العناية ِعندما أمرر عليها فرشاة َ الريش ِ لأزيلَ ما تراكم َ فوقها من غبارٍ وليظهرَ عليها قليلٌ من لمعٍ قديمٍ لم يبقَ منه إلا ذكراه فأخبارُ انتشار سلالة ِ (الفيروس) الربيعي لأنفلونزا الطيور لم تبقِ مجالا ً لتأخير الكارثة ولابد من تذكر أن السلالةَ الشتويةَ لم تنجحْ تماماً بحملِ الناسِ على الإقلاع نهائيا عن الحب وطيوره الجميلة إذ حالما ينتهي شتاء ٌباردٌ ينكصون مرة أخرى إلى حنينهم لطيور الحب يزجونها بأقفاصٍ بمزايا عالميةٍ ترد إلينا من مسافات بعيدة، فكرت أن أتركَ عملي في بيع الأقفاص جراء هذا الكساد الذي حل بسوقها ، لكنني لا أجيد إلا بيع الأقفاص وتلك مهنة ورثها جيلي عن جيل سبقه وكنا دائما نغطي عجزنا عن ابتكار مهنة أخرى بدعاوى زائفة مثل تراث الآباء و أسرار المهنة وغير ذلك الكثير من الحجج التافهة أيامَ كان الإنسانُ يفاخرُ بما يفعله، وهكذا كما ترون أجلسُ منذ ساعاتٍ في جوف محل الأقفاص وأمامي قـَفـَصان جميلان معلقان على الجانبين ببابين جميلين مشرعين وبأرجوحتين رائعتين أقلب ُ أفكاري ذات اليمين وذات الشمال بمنولوجاتٍ تبدو أحيانا كعصفٍ مفاجئ ٍ وأحيانا ً أخرى كنسيم ٍ عليل ٍ لعل ذلك ينفع في التوصل إلى قرار أخير بشأن ما أعانيه من هذا الكساد وبينما أنا أواصلُ حديثي مع نفسي فاجأني عصفور ٌ أزرق من عصافير الحب بذيل طويل وزغب أصفر تحت جناحيه وقد سارع للدخول إلى القفص المعلق عن يميني مستقرا على أرجوحة ِ القفص وبدا كأنه يلتقط أنفاسَه من جهد طيران طويل، جمدتُ في مكاني خوفاً من أن أستفزه فيطير عائدا من حيث أتى لكنه ويا لدهشتي مطّ جناحيه وشقشق قليلا ثم سمعته يقول:
ـ لا تبتئس فبقاء الحال من المحال ولكن أهكذا ترحب بضيف جائع ومتعب من تيه ٍ طويل؟..ُ فغرت ُ فمي دهشةً وعجباً وغمغمت بلغةٍ غير واضحةٍ مفادها أن الكسادَ بدأ يفعلُ فعلَه وإنني ربما جننت.! لكنه رد علي بشقشقة فصيحة قائلاً : لست َ مجنوناً ولا أنا خرافة عليك بقبول الأمرِكما هو ولا تتغافل عن واجب إسداء العون إلى من يلجأ إليك بعد ما أجهده البحث عن حلول.
- عذراً أيها الطائر المحترم فأنا لم أعتدْ على طيور تتكلم و أظن كان ذلك آخر مرة في عهد سليمان الحكيم ولا أتوقع أن تدخل الأقفاص بمحض إرادتها، الحق لقد أدهشني ذلك!!.......
- أيها الأخ من منا يكره الحرية؟ الحرية هي الحياة لكن ّ حرية ًمحفوفة ً بالموت ِ في كل لحظةٍ أرى أن قفصا جميلا بباب مغلق عليك أجدى منها (وتحرك نحو باب القفص وأغلقه عليه بمنقاره الأحمر الجميل) ثم واصل الحديث، كنت أقول دخول الحبس ولا ذهاب النفس وها أنت تراهم قد منحونا الحرية َ ليس حبا ً بنا ولكن خوفاً من أنفلونزا مفتراة عليهم وعلينا ويا لهول الحرية مع كل هذه القطط وخفافيش الظلام وهوس الأطفال برشقنا بالحجارة أينما نحط وربما شظية تائهةٍ من سيارةٍ مفخخةٍ وأنت الآن تعجب من دخولي القفص بإرادتي، معتقدا أنني أحب القفص!ياله من تفكير سقيم وقلبٍ للحقائق ونأيٍ عن الصواب !..
- ولكن أيها الطائر المحترم القطط وأحجارالصغار و الخفافيش والشظايا الطائرةِ موجودة في كل العصور والأزمان و أرى أن حجتك ضعيفة فأنتم مجبولون على اختيار العيش بالأقفاص جبنا وكسلاً تحميكم الأقفاص ويأتيكم رزقكم دخنا طازجا لا لشيء سوى لشقشقة قصيرة ولألوانكم الزاهية..
- ألحقيقة ُ تقال مهما كانت العواقب، فنحن خلقنا هكذا بعظام دقيقة وريش زاه ٍ، تعال خذ ضعفي وصفاء نيتي ودقة عظامي وجرب الحرية بين كل هذه القطط والكلاب والخفافيش وأحجار الصغار والمفخخات ثم تعال وقل لي كيف هي حجتي، أبعدْ عني كل هذه الأخطار لأتمتع بحريتي دون أن أخاف وسوف أملأ قفصي ضجيجا حتى أحقق حريتي، أ تحسب أننا لم نفكر بكل ذلك، بلى قد فكرنا وحاولنا وعندما رأينا أن الحرية في العالم الحرّ ما هي إلا فوضى عارمة لا يسلم فيها الضعيف من أمثالنا قبلنا على مضض العيش بالأقفاص على أن يتوفر لنا راعٍ يمتلك قدرا من الرأفة بنا و لطالما عرف الناسُ جميعا كل ما يتعلق بنا بتاريخنا،أسرارنا ونقاط ضعفنا ما يفرحنا وما يغيظنا ...................................
كنا نحن طيور الحب المجلوبون منذ قرون إلى هذه الأرض قد تعودنا على ما يمر بنا من محن تتوالى علينا ولا نستطيع ردها أو مقاومتها أو الهروب منها وكان لزاما علينا أن نقبل بالوقائع كما هي نأكل الدخن ونشرب الماء ولا نسأل ولم نكن بحاجة لمتابعة شؤون العالم الحر ويوم تعودنا على أقفاصنا وتابعنا حياتنا قدما قلنا ليذهب العالم الحرّ إلى الجحيم إذا كانت القطط المتوحشة من سُكانه خصوصا عندما كانت أقفاصنا المتينة تدرأ عنا أخطار العالم الخارجي وتقلبات مخلوقاته الحرة وكنا ندرك تماما دورنا في أقفاصنا المطلية أحيانا بألوان زاهية و أحيانا بلا لون غير لونها الصدىء، ندرك أن مالكنا لا يريد منا إلا البقاء بحيوية في أقفاصنا نتقافز هنا وهناك على الأراجيح التي صنعها لنا والسلالم التي لا تؤدي إلى شيء وهكذا سارت الحياة قدما ولو بين جدران قفص ولطالما حلمنا بعالم خالٍ من القطط والخفافيش و أسرفنا في أحلامنا وحلمنا بيوم تحطيم الأقفاص العالمي ولكن يا صديقي كانت كلها أحلام، مجرد أحلام، لم ننتبه منها إلا على مخالب قط متهور استغل غفلتنا وكادت أن تحصل مجزرة لولا متانة القفص وزعيقنا المتواصل، بظني أن ذلك خير من موت وخراب لا أول له ولا آخر، لا يهمنا عبث الأطفال فصاحبنا يعلقنا بمكان عالٍ لا تصل أيدي الصغار إليه لكن ذلك لا يعني أننا لم نشعر بخوف عندما نرى تلك القطط الرائحة الغادية من تحتنا ومن جوانبنا وهي تنظر إلينا بعيونٍ شزرةٍ مِلؤُها الرغبة في افتراسنا وبلعنا بلحظة خاطفة وعندما نعي ذلك ونتيجة للحظة يأس عارمةٍ نحمد صنيع صاحبنا ونميل إلى حب أقفاصنا المتينة وتنتابنا أحيانا رغبة تقديسها والتبتل إليها بل والتغني بأمجادها أحيانا فيفرح آسرنا فرحا طاغيا لظنه أننا نُغـَنّي لأسعاده، الحقيقة ليست كذلك البتة فمعظم غنائنا كان بكاءً مُرّاً ولجهلة بلغة الحب كان يظن أننا نُغنّي، ياله من جاهل ..................
- آه أيها الطائر الحكيم قل لي كيف أصنع وهذا الكساد يكاد يقصم ظهري ويُكدر عيشي .....؟
- أظن يا صديقي أن الأمور إذا بقيت على حالها والموت في الخارج أكبر من الحياة في الأقفاص فإن بني جنسي جميعهم سيبحثون مثلي عن قفص مشرع الأبواب ليدخلوا إليه بسلام ويغلقوه عليهم وعند ذاك تمتلئ أقفاصك و أقفاص القفاصين جميعا بطيور حُبٍّ مغلوبة ٍ على أمرها مفضلة الأقفاص على الموت وعندما ترى الناس طيورَ الحب تملأ الأقفاص تتقافز باطمئنان وتشقشق داخل أقفاصِها دون تهديد من قطٍّ سمينٍ أو كلبٍ نابحٍ أو خفافيشَ ليلٍ سيتذكرون ولعهم القديم باقتنائنا ووضعنا في بيوتهم من جديد ويغضوا الطرفَ عن فرية أنفلونزا الطيور والآن دعني أنام قليلاً ولا تنخدع بتلك الفريةِ فهي مجرد (بروباكاندا) الرابح فيها القطط الخارجة على القانون والتي هي أحدى ركائز الفوضى التي يتجه إليها العالم الآن
ـ لا تبتئس فبقاء الحال من المحال ولكن أهكذا ترحب بضيف جائع ومتعب من تيه ٍ طويل؟..ُ فغرت ُ فمي دهشةً وعجباً وغمغمت بلغةٍ غير واضحةٍ مفادها أن الكسادَ بدأ يفعلُ فعلَه وإنني ربما جننت.! لكنه رد علي بشقشقة فصيحة قائلاً : لست َ مجنوناً ولا أنا خرافة عليك بقبول الأمرِكما هو ولا تتغافل عن واجب إسداء العون إلى من يلجأ إليك بعد ما أجهده البحث عن حلول.
- عذراً أيها الطائر المحترم فأنا لم أعتدْ على طيور تتكلم و أظن كان ذلك آخر مرة في عهد سليمان الحكيم ولا أتوقع أن تدخل الأقفاص بمحض إرادتها، الحق لقد أدهشني ذلك!!.......
- أيها الأخ من منا يكره الحرية؟ الحرية هي الحياة لكن ّ حرية ًمحفوفة ً بالموت ِ في كل لحظةٍ أرى أن قفصا جميلا بباب مغلق عليك أجدى منها (وتحرك نحو باب القفص وأغلقه عليه بمنقاره الأحمر الجميل) ثم واصل الحديث، كنت أقول دخول الحبس ولا ذهاب النفس وها أنت تراهم قد منحونا الحرية َ ليس حبا ً بنا ولكن خوفاً من أنفلونزا مفتراة عليهم وعلينا ويا لهول الحرية مع كل هذه القطط وخفافيش الظلام وهوس الأطفال برشقنا بالحجارة أينما نحط وربما شظية تائهةٍ من سيارةٍ مفخخةٍ وأنت الآن تعجب من دخولي القفص بإرادتي، معتقدا أنني أحب القفص!ياله من تفكير سقيم وقلبٍ للحقائق ونأيٍ عن الصواب !..
- ولكن أيها الطائر المحترم القطط وأحجارالصغار و الخفافيش والشظايا الطائرةِ موجودة في كل العصور والأزمان و أرى أن حجتك ضعيفة فأنتم مجبولون على اختيار العيش بالأقفاص جبنا وكسلاً تحميكم الأقفاص ويأتيكم رزقكم دخنا طازجا لا لشيء سوى لشقشقة قصيرة ولألوانكم الزاهية..
- ألحقيقة ُ تقال مهما كانت العواقب، فنحن خلقنا هكذا بعظام دقيقة وريش زاه ٍ، تعال خذ ضعفي وصفاء نيتي ودقة عظامي وجرب الحرية بين كل هذه القطط والكلاب والخفافيش وأحجار الصغار والمفخخات ثم تعال وقل لي كيف هي حجتي، أبعدْ عني كل هذه الأخطار لأتمتع بحريتي دون أن أخاف وسوف أملأ قفصي ضجيجا حتى أحقق حريتي، أ تحسب أننا لم نفكر بكل ذلك، بلى قد فكرنا وحاولنا وعندما رأينا أن الحرية في العالم الحرّ ما هي إلا فوضى عارمة لا يسلم فيها الضعيف من أمثالنا قبلنا على مضض العيش بالأقفاص على أن يتوفر لنا راعٍ يمتلك قدرا من الرأفة بنا و لطالما عرف الناسُ جميعا كل ما يتعلق بنا بتاريخنا،أسرارنا ونقاط ضعفنا ما يفرحنا وما يغيظنا ...................................
كنا نحن طيور الحب المجلوبون منذ قرون إلى هذه الأرض قد تعودنا على ما يمر بنا من محن تتوالى علينا ولا نستطيع ردها أو مقاومتها أو الهروب منها وكان لزاما علينا أن نقبل بالوقائع كما هي نأكل الدخن ونشرب الماء ولا نسأل ولم نكن بحاجة لمتابعة شؤون العالم الحر ويوم تعودنا على أقفاصنا وتابعنا حياتنا قدما قلنا ليذهب العالم الحرّ إلى الجحيم إذا كانت القطط المتوحشة من سُكانه خصوصا عندما كانت أقفاصنا المتينة تدرأ عنا أخطار العالم الخارجي وتقلبات مخلوقاته الحرة وكنا ندرك تماما دورنا في أقفاصنا المطلية أحيانا بألوان زاهية و أحيانا بلا لون غير لونها الصدىء، ندرك أن مالكنا لا يريد منا إلا البقاء بحيوية في أقفاصنا نتقافز هنا وهناك على الأراجيح التي صنعها لنا والسلالم التي لا تؤدي إلى شيء وهكذا سارت الحياة قدما ولو بين جدران قفص ولطالما حلمنا بعالم خالٍ من القطط والخفافيش و أسرفنا في أحلامنا وحلمنا بيوم تحطيم الأقفاص العالمي ولكن يا صديقي كانت كلها أحلام، مجرد أحلام، لم ننتبه منها إلا على مخالب قط متهور استغل غفلتنا وكادت أن تحصل مجزرة لولا متانة القفص وزعيقنا المتواصل، بظني أن ذلك خير من موت وخراب لا أول له ولا آخر، لا يهمنا عبث الأطفال فصاحبنا يعلقنا بمكان عالٍ لا تصل أيدي الصغار إليه لكن ذلك لا يعني أننا لم نشعر بخوف عندما نرى تلك القطط الرائحة الغادية من تحتنا ومن جوانبنا وهي تنظر إلينا بعيونٍ شزرةٍ مِلؤُها الرغبة في افتراسنا وبلعنا بلحظة خاطفة وعندما نعي ذلك ونتيجة للحظة يأس عارمةٍ نحمد صنيع صاحبنا ونميل إلى حب أقفاصنا المتينة وتنتابنا أحيانا رغبة تقديسها والتبتل إليها بل والتغني بأمجادها أحيانا فيفرح آسرنا فرحا طاغيا لظنه أننا نُغـَنّي لأسعاده، الحقيقة ليست كذلك البتة فمعظم غنائنا كان بكاءً مُرّاً ولجهلة بلغة الحب كان يظن أننا نُغنّي، ياله من جاهل ..................
- آه أيها الطائر الحكيم قل لي كيف أصنع وهذا الكساد يكاد يقصم ظهري ويُكدر عيشي .....؟
- أظن يا صديقي أن الأمور إذا بقيت على حالها والموت في الخارج أكبر من الحياة في الأقفاص فإن بني جنسي جميعهم سيبحثون مثلي عن قفص مشرع الأبواب ليدخلوا إليه بسلام ويغلقوه عليهم وعند ذاك تمتلئ أقفاصك و أقفاص القفاصين جميعا بطيور حُبٍّ مغلوبة ٍ على أمرها مفضلة الأقفاص على الموت وعندما ترى الناس طيورَ الحب تملأ الأقفاص تتقافز باطمئنان وتشقشق داخل أقفاصِها دون تهديد من قطٍّ سمينٍ أو كلبٍ نابحٍ أو خفافيشَ ليلٍ سيتذكرون ولعهم القديم باقتنائنا ووضعنا في بيوتهم من جديد ويغضوا الطرفَ عن فرية أنفلونزا الطيور والآن دعني أنام قليلاً ولا تنخدع بتلك الفريةِ فهي مجرد (بروباكاندا) الرابح فيها القطط الخارجة على القانون والتي هي أحدى ركائز الفوضى التي يتجه إليها العالم الآن
