محمد السلاموني - الإسكاتالوجيا الجديدة الحرب العالمية الثالثة ونهاية عصر الديناصورات الحضارية:

نهاية الدولة القومية:
سلسلة طويلة من النهايات "الميتات" المتتابعة، غمرت المشهد العالمى المعاصر، كما لم يحدث من قبل أبدا.
قفزا على التفاصيل، يذهب البعض إلى أننا نحيا الآن فى العصر الذى نشهد فيه انقلاب المسار التاريخى الصانع للدولة القومية على نفسه، مُشَكِّلا حركة عكسية؛ تعود فيها الدولة القومية "الموَحَّدة" إلى مكوناتها "القبائلية" الأولى، وهو ما يطلقون عليه إصطلاح "الجمعانية العائدة".
وهو ما يعنى أن الدولة القومية لم يتبق لها الآن سوى التماسك الشكلى، الخارجى... بعد أن فقدت هيمنتها على مجتمعاتها، نتيجة للوَهَن الذى أصاب مُجمَل أداءاتها الوظيفية..
هذه النتيجة، هى المَيتَة اللاحقة لسلسلة من الميتات السابقة: فعلى سبيل المثال، موت الأيديولوجيات الحداثية الكبرى؛ الذى هو موت "المعنى المؤسسى"- أى الذى تنتجه المؤسسات السياسية والمعرفية عامة، المُمَثِّلة للسلطة... يعنى "انفصام العلاقة بين النظام المعرفى والسلطة"- كما كشف لنا فوكو عن كيفية عملها؛ كأحد مرتكزات "المشروع الحداثى".
وهو ما يعنى غياب الواقع الكلى الذى تتواضع عليه الشعوب ثقافيا، كأحد نتائج التقييمات النسبية التى تعتمدها الجمعانيات الجديدة- أعنى أن "توحيد المفاهيم" الذى كان هو عمل الدولة القومية، تلاشى الآن، مما أدى إلى تفتت وتناثر وتشظى المعنى الأيديولوجى الذى هو عماد الوحدة المجتمعية.
المجتمع ما بعد الصناعى؛ مجتمع "الأنفوميديا- (Infomedia، أى تقنيات المعلومات)"، أطاح تماما بالمفاهيم القديمة عن الزمان والمكان؛ هذان المفهومان اللذان بقدر ما تأسست عليها حدود الدولة القومية المستقلة، فقد شكَّلا مفهوم "الوطن" أيضا؛ بما هو الحدود الأنثروبولوجية المؤطِّرة "للهوية الحديثة"...
قفزا على التفاصيل "نظرا لكثرتها"- جميع الأسس التى قامت عليها الدولة القومية الحديثة، تحطمت الآن مما ألقى بالعالم فى وضعية سائلة...
نهاية النظام العالمى القديم:
النظام العولمى، كان هو النتيجة الطبيعية تماما للتطور الإقتصادى والتكنولوجى"الغربى" المتَغَوِّل- منذ ما قبل سقوط الإتحاد السوفيتى بعدة أعوام "إذ يذهب المختصون بالدراسات العولمية إلى أنها ابتدأت فعليا فى مطلع ثمانينيات القرن الفائت، وإن كان الإعداد لها ابتدأ برفع الغطاء الذهبى عن الدولار فى السبعينيات"، مما استوجب فرض مزيد من الهيمنة على العالم...
صعود قوى جديدة كـ "الصين"، ثم "روسيا" مؤخرا، كان يعنى "وضع النظام العالمى القديم- الممتد من الحرب العالمية الثانية- إلى الآن فى موضع سؤال؟.
إعادة توزيع الأسواق العالمية بين الغرب والصين- فى إطار المنافسة الرأسمالية العولمية، أغلق الباب أمام الإقتصاد الروسى الصاعد، أو قل "عيَّن حدودا لذلك الصعود"، لأنه يمثل تهديدا حقيقيا للهيمنة الغربية التى تراجعت نسبيا بفعل الصعود الصينى...
ما أريد الإشارة إليه هنا تحديدا، وكتبت هذا المقال لأجله- هو ...
التكنولوجيا العسكرية:
كما يمكن أن نلاحظ، فطوال التاريخ، والحروب الكبرى هى التى تفضى إلى تحولات كبرى فى الأنظمة العالمية الحاكمة... مما ينعكس بقوة على مسار التاريخ نفسه.
الحروب القديمة التى انتصرت فيها القوى الصاعدة، عادة ما كانت "الأيديولوجيات" هى القوة المضافة التى تلعب دورا فاعلا- إن لم نقل حاسما- فى وضع نقطة النهاية للأنظمة العالمية القديمة المهيمنة... أما الآن، فالتفوق "النووى" الروسى هو حصان طروادة الجديد...
لاشك أن القوة الإقتصادية الروسية لا تقاس بالقوة الإقتصادية الأمريكية، ومع ذلك فالتفوق العسكرى الروسى "الذى يحظى بإقرار من الجميع" يبدو لى أنه يمثِّل "فائض القيمة الحضارية الحديثة"؛ وهو ما يعادل فائض القيمة الإقتصادية... لكنه يبدو كانفلات من التاريخ الهيجلى، لصالح المصادفة النيتشوية. هذا الإنفلات من قبضة التصور الهيجلى عن التاريخ، كان دائم الحدوث قبل هيجل، ولم يكن يدعو للدهشة والتساؤل، مما يكشف بقوة عن الكيفية التى تمت بها صياغة "الفلسفة الهيجلية، الموطِّرة للأنظمة المعرفية الغربية الحداثية"، بتواطئها مع السلطة البرجوازية...
ما تفعله روسيا الآن - من منظور هيجلى- يشبه تماما انحراف كوكب ما عن مساره وارتطامه بالأرض.
فهل ينتهى عصر الديناصورات الحضارية؟.
الحرب العالمية الثالثة، إن وقعت بالفعل، ستعد تدشينا لـ "اسكاتالوجيا جديدة " هى انقلاب جذرى على الخطاطات الدينية والفلسفية .
// هكذا، تنتهى الدولة القومية، ثم النظام العالمى القديم، ثم العالم نفسه.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى