لم تترك مصاريف البيت والخمر ورضا الوالدين لعبد السلام فرصة الاستقلال عن أسرته الصغيرة . فقد منحوه رفقة زوجته أحسن وأكبر غرفة في المنزل بعد صالة الضيوف . ربما لكونه الشخص الوحيد الذي يعمل في الوظيفة ، ويتوفر على أجر قار ، لكنه بعد زواجه بحوالي خمسة أشهر ، بدأ حاله يتغير من سيء إلى أسوء .
لا أحد في البيت يعرف السبب . فالرجل يعمل في النهار ، ويعود مخمورا في وقت متأخر من الليل . حتى طعام العشاء سيعتاد على تناوله في الخارج ، بعد أن فطن إلى الفخاخ التي تنصبها له زوجته ، لتُشهد عليه والديه وإخوته بأنه زوج غير صالح . فهي تطبخ أحيانا الأرز بالحليب ، وتترك له وجبة في الصحن . تعرف بأنه سيرمي بالصحن ويُكسّره ، ويعمل فوضى ، ويوقظ كل من في البيت ، فتبكي وتندب حظها ، وتُهدّد بجمع ثيابها ، والذهاب إلى بيت أهلها . تتدخل حماتها ، وتُقبّل رأسها ، وتُهدّئ الأجواء ، وتعدها بأنها ستجذبه من أذنيه عندما يستيقظ في الصباح .
تقع غرفتهما بالدور العلوي بجانب صالة الضيوف بعيدة عن باقي الغرف في الدور السفلي . يغلقان عليهما الباب فلا يسمع أحد ما يحدث بينهما .
عندما يدخل عبد السلام إلى المنزل وهو سكران ، يتجه إلى المرحاض بعد أن يشعر بمتانته تكاد تنفجر . يتعطل قليلا ، ثم يصعد السلالم . يحاول إغلاق فتحة السروال ، يميل يسارا ، يتكئ على الجدار ، قبل أن يلج الغرفة . ينزع ملابسه ، ويرتدي ثياب النوم بصعوبة . تجلس حليمة بجانبه على الفراش ، وتسأله كالعادة أين تأخر ، ومع من قضى السهرة ؟ ، وتشيح بوجهها إلى الناحية التي لا تسمح بالنظر إليه مباشرة ، وتتّهمه بأنه حوّل حياتها إلى جحيم ، ثم تجهش بالبكاء . رغم شدّة غضبها ، فهي ترتعب عندما يعود إلى البيت سكرانا . منذ الصغر تخاف من السُّكارى ، وتعتقد بأنه يمكن أن يفعلوا أشياء قد لا تخطر على البال ، خاصة وأن الكثير من الجرائم التي سمعت عنها في الحي تمّت تحت تأثير الخمر والمخدرات . مع الأيام تعوّدت على أن تتمنّع عليه أحيانا ، وتستسلم له أحيانا أخرى ، خوفا من أن تخطفه إحدى الفاجرات اللواتي يرتدن الحانات .
في كل مرة يفتح الباب ، ويدلف إلى الداخل ، تُشعل مصباح السلالم ، فيرفع رأسه إلى الأعلى ، ويجدها واقفة مثل أحد أعمدة البيت . يعرف بأن والدته تسترق السمع من الغرفة المجاورة للمطبخ .
ولكي لا تُزعجه بأسئلتها المعتادة ، وتُفسد عليه سكره ، يُهدّدها بجواب مخمور قبل أن يصعد السلالم :
ـ سلّـــــــــمت عليك الداودية* ؟!
الهامش :
*الداودية : مطربة وراقصة شعبية تُنشّط الحفلات والأعراس ، وتعمل بالحانات ، أطلق عليها السكارى هذا الاسم لتشبهها بالمغنية البيضاوية زينة الداودية .
مراكش 28 مارس 2022
لا أحد في البيت يعرف السبب . فالرجل يعمل في النهار ، ويعود مخمورا في وقت متأخر من الليل . حتى طعام العشاء سيعتاد على تناوله في الخارج ، بعد أن فطن إلى الفخاخ التي تنصبها له زوجته ، لتُشهد عليه والديه وإخوته بأنه زوج غير صالح . فهي تطبخ أحيانا الأرز بالحليب ، وتترك له وجبة في الصحن . تعرف بأنه سيرمي بالصحن ويُكسّره ، ويعمل فوضى ، ويوقظ كل من في البيت ، فتبكي وتندب حظها ، وتُهدّد بجمع ثيابها ، والذهاب إلى بيت أهلها . تتدخل حماتها ، وتُقبّل رأسها ، وتُهدّئ الأجواء ، وتعدها بأنها ستجذبه من أذنيه عندما يستيقظ في الصباح .
تقع غرفتهما بالدور العلوي بجانب صالة الضيوف بعيدة عن باقي الغرف في الدور السفلي . يغلقان عليهما الباب فلا يسمع أحد ما يحدث بينهما .
عندما يدخل عبد السلام إلى المنزل وهو سكران ، يتجه إلى المرحاض بعد أن يشعر بمتانته تكاد تنفجر . يتعطل قليلا ، ثم يصعد السلالم . يحاول إغلاق فتحة السروال ، يميل يسارا ، يتكئ على الجدار ، قبل أن يلج الغرفة . ينزع ملابسه ، ويرتدي ثياب النوم بصعوبة . تجلس حليمة بجانبه على الفراش ، وتسأله كالعادة أين تأخر ، ومع من قضى السهرة ؟ ، وتشيح بوجهها إلى الناحية التي لا تسمح بالنظر إليه مباشرة ، وتتّهمه بأنه حوّل حياتها إلى جحيم ، ثم تجهش بالبكاء . رغم شدّة غضبها ، فهي ترتعب عندما يعود إلى البيت سكرانا . منذ الصغر تخاف من السُّكارى ، وتعتقد بأنه يمكن أن يفعلوا أشياء قد لا تخطر على البال ، خاصة وأن الكثير من الجرائم التي سمعت عنها في الحي تمّت تحت تأثير الخمر والمخدرات . مع الأيام تعوّدت على أن تتمنّع عليه أحيانا ، وتستسلم له أحيانا أخرى ، خوفا من أن تخطفه إحدى الفاجرات اللواتي يرتدن الحانات .
في كل مرة يفتح الباب ، ويدلف إلى الداخل ، تُشعل مصباح السلالم ، فيرفع رأسه إلى الأعلى ، ويجدها واقفة مثل أحد أعمدة البيت . يعرف بأن والدته تسترق السمع من الغرفة المجاورة للمطبخ .
ولكي لا تُزعجه بأسئلتها المعتادة ، وتُفسد عليه سكره ، يُهدّدها بجواب مخمور قبل أن يصعد السلالم :
ـ سلّـــــــــمت عليك الداودية* ؟!
الهامش :
*الداودية : مطربة وراقصة شعبية تُنشّط الحفلات والأعراس ، وتعمل بالحانات ، أطلق عليها السكارى هذا الاسم لتشبهها بالمغنية البيضاوية زينة الداودية .
مراكش 28 مارس 2022