د. سيد شعبان - لعبة السرد المراوغة!

حين أمسكت بالقلم لأكتب، كنت أشاغب به، تماديت في تلك اللعبة حتى خلتني ساحرا!
غير أنني لطول ملازمتي للكتاب واطلاعي على فنون السرد سرت أشتاته في ثنايا عباراتي، ربما كان القلم حلمي يوم درجت في دروب قريتي الأثيرة، حين تفتحت عيناي على الحقول تترامى والحيوانات تتهادى غدوة وعشية، كان أبي رحمة الله عليه يحكي بل لاتفوته أدق التفاصيل، ينتقل بي من عالم إلى آخر، فحياته امتدت ثمانين عاما ونيف فكانت ثمارها تأتي كلما ألقى بشباك صيده وما كانت غير حكمة رجل عرك الأيام والسنين!
وجدتني في كتاب سيدنا أردد آيات الله، جمالات صفر، الغاشية وما أدراك ما الغاشية، اقرأ باسم ربك الذي خلق، قصار السور وماتفصه عن خلق الإنسان والحيوان تراكمت مفرداتي واتسعت خزانة محفوظاتي، فبدأت أتسمع المذياع، نتفا من محطة وأخرى من حوار، جربت أن أكتب فنزل بي القلم عن السطر، تمتعض أمي ألا تجد كلماتي مستقيمة، أعدها أن تكون أفضل في المرة القادمة، وهكذا بدأت رحلة القلم سردا، في عالم يمتليء بأحداث صاخبة، ولنفس طلعة تحب الجمال وتهفو إليه، وجدت للقلم قدسية العلم الذي هو هبة من الرحمن!
مؤكد أنني مراوغ شأن كل كاتب يرقبه ذلك المتخفي وراء ظلال النصوص، وطنت نفسي ألا أكون بوقا يجاوبه الصدى، وتلك آفة هؤلاء الذين يثيرون الغبار دون جدوى من ريح السموم!
كتبت قبل عن علاقة السرد بالفن، ورأيت الفن امتدادا لتلك النصوص الروائع؛ ذاع صيت المبدعين حين تحركت الشخصيات المسرودة على شاشة التلفزيون أو في ثنايا الأفلام السينمائية، فتقنيات العصر أوجدت مساحات من التلقي أمام المشاهد، جاوب السرد وفنيات السيناريو ما يقدمه الأدباء، وإن كان المسرح أكثر ارتباطا بالواقع لأن أداء الممثلين مشاهد رأي العين تكاد تلمسه اليد!
هذا سردي يكاد يطابق بصمتي فالشفرة الوراثية محال أن تتماثل مع غيرها؛ كذا أسلوب الكاتب، يمتد البوح حتى يشارف الغد بأحلامه، لم تكن لدي غير مغامرة البدايات الأولى التي حلت أمام ناظري، لست متماهيا مع أحد، ولا أكتب إلا من قناعة، لدي أساتذة تعلمت منهم فنون الصنعة بدءا بعبد الحميد الكاتب وانتهاء بنجيب محفوظ ومحمد مستجاب، حتى استوى اليراع على سوقه!



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى