المستشار بهاء المري - القضاء في الإسلام.. البراءة للدفاع للشرع

البراءة للدفاع للشرع:

قال الليث بن سعد أُتِيَ عمر بن الخطاب يومًا بفتًي أمْـرَد وقد وُجد قتيلاً مُلقَى على وجه الطريق، فسأل عمر عن أمره واجتهد، فلم يقف له على خَبر، فشُقَّ ذلك عليه؛ فقال: اللهم أظفرني بقاتله، حتى إذا كان على رأس الحَول، وُجدَ صَبي مولود مُلقَى بمَوضع القتيل، فأتي به عمر؛ ففال: ظَفرتُ بدم القتيل إن شاء الله، فدفع الصَبي إلى امرأة، وقال لها: قُومي بشأنه، وخُذي مِنَّا نفقته، وانظري مَن يأخذه منكِ؛ فإذا وجَدتِ امرأة تُقبِّله وتَضمُّه إلى صدرها فأعلِميني بمكانها، فلما شَبَّ الصَبي جاءت جارية، فقالت للمرأة: إنَّ سيدتي بَعثتني إليكِ لتَبعثي بالصبي لتراه وتَردُه إليكِ، قالت: نعم، اذهبي به إليها وأنا مَعكِ. فذهبت بالصبي والمرأة معها، حتى دخلت على سيدتها، فلما رأته أخذته وضَمَّته إليها، فإذا هي ابنة شَيخ مِن الأنصار من أصحاب رسول الله ﷺ فأتت عمر فأخبرته، فاشتملَ على سَيفه، ثم أقبل إلى منزل المرأة. فوجد أباها مُتكئًا على باب داره، فقال له: يا فلان، ما فعَلت ابنتك فلانة؟ قال: جزاها الله خيرًا يا أمير المؤمنين، هي من أعرَف الناس بحق الله وحق أبيها، مع حُسن صَلاتها وصيامها، والقيام بدينها، فقال عمر: قد أحببتُ أن أدخل إليها، فأزيدها رغبةً في الخير، وأحثُها عليه، فدخل أبوها، ودخل عمر معه. فأمر عمر من عندها فخرج، وبقي هو والمرأة في البيت، فكشف عمر عن السَيف، وقال: أُصدُقيني، وإلا ضَربتُ عُنقك، وكان لا يكذب، فقالت: على رِسلِك، فوالله لأصدُقنَّ: إنَّ عجوزًا كانت تدخل عليَّ فأتَخذها أمًا، وكانت تقوم من أمري بما تقوم به الوالدة، وكنتُ لها بمنزلة البنت، حتى مَضَى لذلك حين، ثم إنها قالت: يا بُنية، إنه قد عَرض لي سفر، ولي ابنة في مَوضع أتخوَّف عليها فيه أن تضيع، وقد أحببتُ أن أضُمها إليكَ حتى أرجع من سفري، فعمَدَت إلى ابن لها شاب أمرَد، فهيأَته كهيئة الجارية، وأتتني به، لا أشكُ أنه جارية، فكان يرى مِنِّي ما ترى الجارية من الجارية، حتى اغتفَلَنِي يومًا وأنا نائمة، فما شَعرتُ حتى عَلاني وخالَطني، فمَددتُ يدي إلى شفرة كانت إلى جانبي فقتلتُه، ثم أمَرتُ به فأُلقيَ حيث رأيت، فاشتمَلتُ منه على هذا الصَّبي، فلمَّا وضَعته ألقيته في موضع أبيه، فهذا والله خبرهما على ما أعلمتك. فقال: صَدقتِ، ثم أوصاها، ودعا لها وخرج، وقال لأبيها: نعمَت الابنة ابنتك؛ ثم انصرف.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى