خالد جهاد - انكسار في أحضان المجهول

حبيبي.. كلمةٌ سهلة محببة، ذائعة الصيت، كثيرة التداول بيننا لكنها لا تملك دوماً نفس الوقع في الأنفس، فالحب مهما اتسعت رقعته لتشمل الأحبة والأصدقاء والإخوة لا يمكن أن يكتمل دون إحترامٍ أو تضحيةٍ أو شعورٍ حقيقي بالأمان والإستقرار في هذه العلاقة، فقد وجدت العلاقات بين البشر لتكون مصدراً للراحة والسعادة والسكينة، وقد يبدو الكثير منها (ظاهرياً) كذلك حتى تتغلغل بعض المشاعر ببطىء وتتسرب إلى عمقها مسببةً شرخاً ليس بالهين إن كان من ناحية الإعتراف بوجودها، أو البوح بتأثيرها واكتشافها من الطرف الآخر، أو القدرة على التعامل والتعايش معها كأمرٍ واقع مثل رصاصةٍ مستقرة قرب القلب ولا سبيل لنزعها لشدة حساسية موقعها.. فتظل مكانها في صدورنا لتأكلنا ببطىء دون أن تميتنا..

ومن تلك المشاعر الغريبة التي تمثل أحد أركان الغربة في الحياة كما تمثلها بين أي شخصين هي الشعور بالغيرة، ولكن ليس بشكلها المعتاد المقترن بالخوف من وجود منافس، بل بالغيرة من نجاح الطرف الآخر والتي قد تكون بين زوجين أو شقيقين أو صديقين يحبان بعضهما فعلاً لكن أحدهما لم يستطع منع نفسه من ذلك الشعور، والذي يسبب غصةً في قلب الطرف الأكثر نجاحاً وربما قد يتحول إلى شعورٍ بالذنب وكراهيةٍ لإنجازٍ سهر الليالي لتحقيقه لكنه أثار حفيظة الشخص الذي نسعى ليكون أول من نبلغه لنتشارك تلك الفرحة معه.. ولكننا قد نتفاجأ بأنه لا يفرح لفرحنا..

فأحياناً يتظاهر البعض بذلك لكن نظراته أو ردات فعله تفضحه، وأحياناً تكون التهنئة الباردة أو الصمت أو تبدل الملامح هي الإجابة التي تثير الأسئلة كبركانٍ في داخل الطرفين خاصةً ذلك الأكثر بروزاً.. ليعيد التفكير في العلاقة برمتها بكل تفاصيلها وأحداثها، متسائلاً عن صدقها وجدواها خاصةً عندما يتذكر أجمل اللحظات التي جمعتهما ويقارنها باللحظة الحالية دون أن يكف عن التفكير في السبب، بين لوم الذات والصدمة من تحول علاقةٍ يفترض أنها ملاذٌ آمن إلى بئرٍ عميق يخفي الكثير من النوايا والأحاسيس التي قد تكون حقيقية وقد تكون مبالغاً فيها، لكنها بالطبع هبطت من تلك المنزلة الرفيعة التي احتلتها في النفس إلى شيءٍ يشبه طبيعة العلاقات الحالية المتقلبة، والقائمة على المصالح والنزوات والمتع العابرة والتي تمتاز بهشاشتها وتطايرها كالأوراق أمام عواصف الحياة التي تفرز الأشخاص وتعري حقيقة مواقفهم وقناعاتهم ومبادئهم وانتماءاتهم..

مما يخلق حالة ً من عدم الإستقرار أو الشعور بعدم الأمان عندما يفكر الإنسان بشكل ٍ منطقي يحيد العاطفة قليلاً ويحاول أن يضع الأمور في نصابها ليراها كما هي بحسب طبيعة العلاقة سواءاً كانت صداقة أم زواجاً أم حباً كون علاقات الغيرة بين الإخوة أكثر تعقيداً، وليتسائل عن القادم أو الجانب الخفي الذي قد لا يكون ظاهراً بعد في علاقة ٍ مقربة، خاصةً أن الجميع أصبح على درجةٍ من الحذر والوعي والذكاء الإجتماعي الذي يمنعه من إظهار تفاصيله أمام الغير والتي تعتبر الغيرة والتحاسد أمراً شائعاً تبعاً لطبيعة المجتمعات في الوقت الحالي، وليجعل أي شخص متوجساً من الإقدام على إنهاء علاقةٍ امتازت بالعمق أملاً في إصلاحها أو خوفاً من الوحدة أو ربما رفضاً لتصديق هذا الواقع، والذي تسبب بإنتهاء الكثير من العلاقات رغم المحبة الكبيرة التي جمعت الطرفين كأزواجٍ وأصدقاء وأحبة دخلت بينهما الغيرة وأظهرت معها عيوباً أخرى، كالشعور بالنقص أو حب التملك والسيطرة والتي قد يرافقها أيضاً الشك إلى جانب مشاعر متناقضة كالإحساس بالذنب، مما يكسر طوق الأمان الذي حمى هذه الرابطة لسنوات ليببدلها بشكلٍ مختلف من الخوف، قد يمنع الكثيرين من معانقة الغير خشية انكسارٍ يباغت الروح بعد أن كسرها (محبوها) ليجدوا أنفسهم في أحضان المجهول..

خالد جهاد..

تعليقات

ج
  • جهاد عبد الرحمن اسحق الملخ

جميل ومبدع وتكتب بكل صدق وتنطق بإحساس القارئ ونبضه وتجيد ايما إجاده باختيار مواضيعك التي تعتبر لسان حال المتلقي من جمهور القراء . نشكر لك على الدوام إطلالاتك الرائعه وندعو لك بكل التوفيق والرفعة والسداد
 
أعلى