أحمد غلام - الأب والإبن.. ترجمة: ديانا محمود

سمينٌ ونهم وزنه ١٥٠ كيلو تقريباً ، يتحرك بصعوبة، غالباً ما تراه جالساً على المصطبة أمام مكتب بيع مواد البناء، فاتحاً قدميه قدر المستطاع، يقضي معظم وقته أمام مدخل الحيّ. عند الظهيرة يتناول الغداء مع عمال البناء، فحصته من الطعام لا يمكن المساس بها، وجبة الغداء كانت دائماً “آبكوشت”؛ مرقة لحم. في إحدى الأيام جلس على ميزان الشاحنات ليزن نفسه، فاجتمع كل الشباب حوله حتى تمكنوا من ضبط الميزان.
كان وجهه سمين منتفخ ضاعت فيه ملامح عينيه، يعرف الناس من ذكرياته أنه متقاعد من الجيش، فدائماً ما كان يقص حكاية معركته مع قطاع الطرق، فعندما كان رئيساً لنقطة “دشتستان” العسكرية تمكنوا من محاصرة منزل أحد قطاع الطرق المشهورين جداً إلا أنه تمكن من الفرار وقتل أحد العساكر.
على الرغم من حياته العسكرية السابقة إلا إنه لم يتمتع بأقل ما يمكن من النظم والقواعد. أحياناً كان يخرج إلى الشارع بسرواله القصير حتى أن بعض النسوة كنا يثرثرن : ( واحد بهالضخامة كلها لي ليطلع هيك على الشارع).
لم أكن أتخيل أن السيد مهران سيتمكن يوماً ما من الركض، إلا أنه رغب في أحد الأيام بلعب كرة القدم مع الأولاد، وأخذ على عاتقه حراسة المرمى وعندما تعب بعد قليل أتكأ على عارضة المرمى القصيرة فلم تتحمل وزنه وانحنت بسرعة وانكسرت ووقع هو على الأرض وبصعوبة بالغة نهض ثانية ليكمل اللعب متصدياً لجميع الهجمات، طبعاً الجمهور كان يشجعه بحماس شديد (حيو عمو مهران).
منذ ذلك اليوم أصبح العم مهران لاعباً فذاً لا يترك لنا مباراة دون أن يسد لنا المرمى بحراسته، رويداً رويداً أصبح الأمر اكثر جديّةً وأصبح العم جزءاً أساسياً من المباراة، بعض الجيران والمارة لم يضيعوا هذه الفرصة للسخرية منه فترى ابتساماتهم من بعيد، إلا أن العم مهران كان “يا جبل ما يهزك ريح”، إلى أن وقع في أحد الأيام أثناء اللعب وكسر ساعده، فاضطر لوضع جبيرة وأخذ نقاهة من الملاعب، وما إن تماثل إلى الشفاء عاد مباشرة للعب، لم يكن ابنه راضياً عن هذه الحالة فهو لا يرغب بان يكون أباه مهرجاً يُضحك الجميع، إلا أن العم مهران لم يصغي لكلام ابنه بل كان يقول له: ( اذا ما بدك تلعب معنا روح ع فريق تاني).
وابنه “رضا” المطيع لن يقول له لا، ولن يلعب ضده وفي النهاية انسحب حتى من مقاعد الاحتياط ومن الجمهور، كان يقول لنا ( مارح أجي طالما عاملين أبي مسخرة ) وهكذا ذهب ابنه إلى البيت ولم يعد إلى الملاعب، لكن زوجته جاءت مرات ومرات وتشاجرت معه ولم تخرج بنتيجة، ونحن لم نستطع منعه من اللعب معنا ويوم بعد يوم تعودنا على الامر ليأخذ العم مهران مكان ابنه بالفريق، فبوجوده لن يتجرأ الجيران على ايقافنا عن اللعب.
اختار رضا لنفسه طريقاً آخر ودخل قوقعته على الرغم من مهارته في كرة القدم إلا أنه اعتزلها بشكل كامل، وصاحب مجموعة من شباب المكتبة وأصبح عضواً في المكتبة “رقم عشرة”، في تلك الأيام كان امناء مركز التربية الفكري للشباب والناشئة من اليساريين وتمكنوا من جذب رضا نحوهم فتربى بينهم، وعند بدء الثورة كان رضا في ريعان شبابه واصبح عضواً ثابتاً في التنظيمات اليسارية، وكان يبعد نظره عنا عندما يعبر من الحي، وحتى لو كان العم مهران معنا كان يتجاهلنا جميعاً دون أن يرمي السلام حتى.
في السنة التالية للثورة اختفى رضا ولم يعد ابداً، البعض كان يقول أنه في السجن وآخرين كانوا يقولون هرب من البلاد او قتل في اشتباكات بيوت الفساد، في النهاية مهما كان سبب اختفاءه وإينما كان هو الآن، فقد تسبب باعتزال العم مهران للكرة، مع أنه أصبح لاعباً مثالياً بعد ان أصبح وزنه ٧٠ كيلو إلا أن قدمه لم تلامس الكرة بعد ذلك أبداً،أما نحن فلم نفهم أبداً قصة هذا الأب وذاك الابن.


جاده ايران



تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
في الأدب الفارسي
المشاهدات
370
آخر تحديث
أعلى