خالد جهاد - العورة

نبني الكثير من خبراتنا وقناعاتنا في الحياة على مواقف مررنا بها ومشاهداتٍ لواقعٍ رديء كجزءٍ من ملامح المرحلة الحالية التي تختلف بفجاجتها عن كل ما سبق، فننضج بشكلٍ أسرع ونفهم أكثر لنصبح أمام خيارين هما مجاراة التيار أو الوقوف ضده وإن كان ذلك من خلال الإبتعاد أو الإحتجاب وعدم المشاركة في ما نراه من انحدار، وبالطبع أصبح معظمنا يفهم ارتباط الظواهر ببعضها حيث يكاد وجود أحدها دليلاً على وجود الأخرى أو وجود عدة ظواهر متصلة بها، وكأنها عدة قطعٍ مبعثرة يجب جمعها معاً لرؤية الصورة النهائية بشكلٍ واضح وشامل وكامل..

وكثيراً ما نتحدث في كل بلادنا وعلى اختلاف ثقافاتنا وأعراقنا وأصولنا وطوائفنا عن مشاكلنا المتشابهة بشكلٍ غريب موجهين اللوم للفاسدين.. وهنا يدق ناقوس الخطر لنتسائل عنهم ونسأل من هم؟ .. فمنذ مدة كنت أتابع أحد الأفلام المصرية التي أنتجت في نهاية التسعينات والتي كانت تناقش بجرأةٍ كبيرة مظاهر الفساد واستوقفتني جملة بسيطة نكررها كثيراً من حيث لا ندري جميعاً على لسان إحدى الشخصيات (الفاسدة أيضاً) ضمن أحد (سهراتها) بعد حصولها (بطريقة غير مشروعة) على ڤيلا ومساحة شاسعة ملحقة بملعب للجولف ومسبح بأحد المناطق الراقية التي لم تسكن بعد قائلةً: ايه الخضرة والجمال ده، ده أنا ما حسيتش إني في مصر.. (في إشارة إلى تواجد ذلك في أوروبا والدول الغربية) وكنت أتسائل في داخلي لماذا لا ترتبط بلادنا رغم جمالها وحضارتها وعراقتها في أذهاننا إلا بكل ما هو سلبي وهذا غير صحيح.. ولماذا ننسب كل ما هو جميل وإيجابي وحضاري إلى الغرب وهو أيضاً ما ليس صحيحاً..

ولماذا ننسى حين نشكو لبعضنا من الفاسدين أياً كانت أصولنا أنهم خرجوا من بيننا وعاشوا معنا، وكان الكثير منهم معدماً ثم أصبح في غفلة ٍ من الزمن من كبار الشخصيات التي تنكرت إلى ماضيها ولم تعد تنتمي سوى لمصالحها، ولماذا لا نعترف بأن هناك الكثير ممن حولنا يمشون على خطاهم سواءاً كانوا يعون ذلك أم لا، ألا نرى أشخاصاً ربطتنا بهم علاقات صداقة أو زمالة ذات يوم في وضع ٍ مختلف حالياً بشكلٍ يثير الشكوك، حيث صعدوا وحققوا مكانتهم بعد اقترابهم واقتران أسمائهم بأسماءٍ ترتسم حولها العديد من علامات الإستفهام، ويتناسى الجميع ذلك لقدرتها على ربط ألسنة الناس بالمال الذي يثقل جيوبها، عدا عن العديد من السلوكيات المشينة التي لا يذكرها أحد لأن (فلان) هو من قام بها.. أليس هذا شكلاً من أشكال الفساد؟ قد يستغرب الكثيرون عندما أقول أن المشكلة كانت ولازالت في المجتمع وعقليته وأفكاره ومبادئه التي توحدنا كمسلمين ومسيحيين، عرباً أو أكراداً أو أرمينيين أو أفارقة أكثر من أي شيء ٍ آخر حيث لا توجد فئةٌ بعيدة عن ذلك لأن مرجعياتنا متشابهة، وحيث نستر أفعالنا بغطاء ديني أو وطني لتحظى سلوكياتنا بالقبول وهو ما يتم تخطيه لاحقاً عند تحقيق مآربنا، وكعادتنا نترك الجوهر لنتصارع على القشور فيعتقد كلٌ منا أنه يسدد هدفاً في شباك (خصمه الوهمي) بينما هو يهدم بيته من حيث لا يدري وأحياناً تحت شعارات إنسانية..

نحن الذين نحب الألقاب والشعارات وان لم نكن أهلاً لها، فأذكر منذ عام سؤال طبيبةٍ شابة حديثة التخرج لي عن أحد تفاصيل العمل.. وحينها أجبتها وأرشدتها إلى ما ينبغي فعله فقامت بشكري مستخدمةً عبارة (شكراً جزيلاً دكتور خالد)، مما دفعني للتصحيح والتوضيح بأنني ممرض، وكونها فتاةً مهذبة اعتقدت أنها بذلك تزيد في شكري واستغربت من توضيحي فقلت لها.. أشكرك على رأيك لكنني لم أعتد قبول ما ليس لي، للطبيب مكانه ولقبه ودراسته ولا أحب أن أتعدى عليه من جهة (خاصةً أن البعض يحب الألقاب من باب الوجاهة الإجتماعية)، ومن جهة أخرى مهنتي ليست أقل من الطبيب فكلانا يعمل معاً ويحتاج إلى الآخر.. مما جعلها تندهش من رأيي الذي فهمته واحترمته بمرور الوقت، وبعد أن لمست حب المظاهر في مهنتنا كجزءٍ من سلوك مجتمعاتنا التي تجعل من كل قيمة أمراً سطحياً قابلاً للإستعراض والتسليع، والبحث عن (مظهر) يستر (عوراتنا) النفسية والفكرية والثقافية بعد أن قامت الأحداث المتتالية على بلادنا بتعرية حقيقتنا وأخلاقنا والتي كشفت لنا كم نحن متشابهون رغم ادعائنا العكس، وكيف أن (الغرباء) يوظفون هذا التيه وقلة الثقة بالنفس لصالحهم، وليجعلونا نكفر بكل ما نملكه ولنصل إلى الشعور بأننا لا نملك شيئاً، لذا فإن بداية النهوض تبدأ بإنتصارنا على أفكارنا ومعتقداتنا ومراجعة قيمنا، وبتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، فعدوي ليس من يختلف عني بل من يريدني أن أكرهه لمجرد أنه مختلف معتقداً أن الحياة والأرض ملك لفئة بعينها بينما هي ملك للجميع ولا عدو سوى للإنسان أكبر من نفسه ومن غروره..

خالد جهاد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى