البروفيسور لطفي منصور - مُفَضَّلِيَّةِ عَلْقَمَةَ بِنِ عَبَدَةَ التَّمِيمِيِّ

مُفَضَّلِيَّةِ عَلْقَمَةَ بِنِ عَبَدَةَ التَّمِيمِيِّ: وَهُوَ شاعِرٌ مُعاصِرٌ لِامْرِئِ الْقَيْسِ وَمُنافِسُهُ في جَوْدَةِ الشِّعْرِ.
كانَ امْرُؤُ الْقَيْسِ يَحْسُدُ عَلْقَمَةَ عَلَى شِعْرِهِ الَّذِي كانَتْ تُعْشَقُهْ الْقَبائلُ الْعَرَبِيَّةُ، وَقالَ لَهُ: أَشْعَرُ مِنْكَ! فَقالَ عَلْقَمَةُ: هَيّا نَحْتَكِمْ! قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: أَيْنَ؟ قالَ عَلْقَمَةُ: عِنْدَ أُمِّ جُنُدَبِ زَوْجِكَ وَهِيَ أَعْلَمُ النّاسِ بِالشِّعْرِ، فَاتَّفَقا وَجاءَا أُمَّ جُنْدَبٍ وَعَرَضا عَلَيْها الْحُكْمَ في شِعْرِهِما. قالَتْ: يَنْظُمُ كُلٌّ مِنْكُما شِعْرًا يَصِفُ حِصانَهُ، فَقالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ يَصِفُ حِصانَهُ في الصَّيْدِ:
فَلِلسَّوْطِ أُلْهُوبٌ وَلِلسَّاقِ دِرَّةٌ
وَلِلزَّجْرِ مِنْهُ وَقْعُ أَهْوَجَ مُنْعَبِ
وَقالَ عَلْقَمَةُ:
فَأَدْرَكَهُنَّ ثانِيًا مِنْ عِنانِهِ
كَغَيْثٍ رائِحٍ مُتَحَلِّبِ
قالَتْ أُمُّ جُنْدَبٍ: عَلْقَمَةُ أَشْعَرُ مِنْكَ. فَقالَ: كَيْفَ؟ قالَتْ: زَجَرْتَ فَرَسَكَ، فّحَرَّكْتَهُ بِساقِكَ، وَضَرَبْتَهُ بِسَوْطِكَ حَتَّى هاجَ. أَمّا عَلْقَمَةُ فَقَدْ جاءَ هَذا الصَّيْدَ، فَأَدْرَكَهُ ثانِيًا من عِنانِ فَرَسِهِ، دُونَ زَجْرٍ أوْ ضَرْبٍ.
قالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ : أنا أَشْعَرُ مِنْهُ لَكِنَّكِ لَهُ وامِقٌ (عاشِقٌ) فَطَلَّقَها فَخَلَفَ عَلَيْها عَلْقَمَةُ، فَسُمَِيَ عَلْقَمَةَ الْفَحْلَ.
ما هِيَ الْمُفَضَّلِيّاتُ،
هِيَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ قَصيدَةً مِنَ الطِّوالِ وَالقصارِ، اخْتارَها الْمُفَضَّلُ الضَّبِّي (ت ٧٨٠م) مِنَ الشِّعْرِ الْجاهِلِي وَالْإسْلامي، بِناءً عَلَى طَلَبٍ مِنَ الْخَليفَةِ أبي جَعْفَرٍ الْمنصور الْعَبّاسِي، لِيُعَلِّمَها لِابْنِهِ وَلِيِّ الْعَهْدِ الْمَهْدِي، خَوْفًا عَلَيْهِِ مِنَ الشُّعُوبِيَّةِ.
خَلْفِيَّةُ قَصيدَةِ عَلْقَمّةَ الَّتِي اخْتَرْتُها ، وهي الْأولَى مِنْ بَيْنِ اثْنَتَيْنِ لَهُ سُمَيا سِمْطا الدَّهْرِ.
كانَتِ الْحَرْبُ في الْجاهِلِيَّةِ مُشْتَعِلَةً بَيَنَ مَمْلَكَةِ الْمَناذِرَةِ اللَّخْمِيِّينَ مُلوكِ الْحِيرَةِ في الْعِراقِ، أَحْلافِ الْفُرْسِ، وَبَيْنَ مَمْلَكَةِ الْغَساسِنَةِ في بُصْرَى الشّامِ أَحْلافِ الرُّومِ الْبيزَنْطِيِّينَ.
الْمناذِرَةُ يَحْمونَ حُدودَ فارِسَ، وَالْغَساسِنَةُ يَحْرُسُونَ حُدودَ الرُّومِ من هَجَمات الْقَبائِلِ البَدَوِيَّةِ الْاتِيَةِ مِنْ صَحاري العَرَبِ.
مِنْ هِذِهِ الْمَعارِكِ يَوْمُ عَيْنِ أُباغْ شَمالَ غَرْبِ الْأَنْبار، بَيْنَ الْحارِثِ بِنِ أبي شَمِرٍ الْغَسّاني، الْمَعْروفِ بِالْأَعْرَجِ ، وَبَيْنَ الحارِثِ بنِ ماءِ السَّماءِ مَلِكِ الْحِيرَةٍ. انتصَرَ فيها الْحارِثُ وَقُتِلَ الْمُنْذِرُ بْنُ ماءِ السَّماء.
مُفَضَّلِيَّةُ عَلْقَمَةَ وَثيقَةٌ تاريخِيَّةٌ لِمَعْرَكَةِ يَوْمِ أُباغٍ ، وَصَفَ لَنا اِلْتِحامَ الْجَيْشَيْنِ ، وَبُطُولَةَ الْحارِثِ.
الْقَصيدَةُ مِنَ الْمُتَوَسِّطات، تَحْتَوِي عَلَى ثَلاثَةٍ وَأَرْبَعينَ بَيْتًا من بَحْرِ الطَّويل.
يَسْتَهِلُّ الشّاعِرُ قَصِيدَتَهُ بِخِطابِ نَفْسِهِ، لِيُخْبِرَنا أَنَّهُ غّدا مُنْقادًا لِقَلْبِهِ الْمُولَعِ بِالْحِسانِ ، في وَقْتٍ تَجاوَزَ فِيهِ الشَّبابَ، وَقَدْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ. وَكانَ الْأَجْدَرُ بِأَمْثالِهِ أنْ يَزْدادُوا وَقارًا.
لَكِنَّ لِلشّاعِرِ عُذْرًا، لِأَنَّ لا سُلْطانَ لَهُ عَلَى قَلْبِهِ الَّذِي لا يَأْبَهُ بِعامِلِ الزَّمَنِ ، وَلا يَثْنِيَهُ عَنِ الْكَلَفِ وَالتَّجاوُزِ في الْحُبِّ. يَقُولُ:
١ طَحا بِكَ قَلْبٌ في الْحِسانِ طَرُوبُ
بُعَيْدَ الشَّبابِ عَصْرَ حانَ مَشِيبُ
٢ يُكَلِّفُني لَيْلَى وَقَدْ شَطَّ وَلْيُها
وَعادَتْ عَوادٍ بَيْنَنا وَخُطُوبُ
٣ مُنَعَّمَةٌ لا يُسْتَطاعُ كِلامُها
عَلَى بابِها مِنْ أْنْ تُزارَ رَقِيبُ
٤ إذا غابَ عَنْها الْبَعْلُ لَمْ تُفْشِ سِرَّهُ
وَتُرْضِي إِيابَ الْبَعْلِ حِينَ يَؤُوبُ
٥ فَلا تَعْدِلي بَيْني وَبَيْنَ مُغَمَّرٍ
سَقَتْكِ رَوايا الْمُزْنِ حِينَ تَصُوبُ
٦ وَما أَنْتَ أمْ ما ذِكْرُها رَبَعِيَّةً
يُخَطُّ لَها مِنْ ثَرْمَداءَ قَلِييبُ
٧ فَإنْ تَسْأَلوني بِالنِّساءِ فَإنَّنِي
بَصِيرٌ بِأَدْواءِ النِّساءِ طَبِيبُ
٨ إذا شابَ شَعْرِ الْمَرْءِ أَوْ قَلَّ مالُهُ
فَلَيْسَ لَهُ مِنْ وُدِّهِنّ نَصِيبُ
يُرِدْنَ ثَراءَ الْمالِ حَيْثُ عَلِمْنَهُ
وَشَرْخُ الشَّبابِ عِنْدَهُنَّ عَجِيبْ
٩ فَدَعْها وسَلِّ الْهَمَّ عَنْكَ بِجَسْرَةٍ
كَهَمِّكَ فِيها بِالرِّدافِ خَبِيبُ
١٠ إلَى الْحارِثِ الْوَهّابِ أَعْمَلْتُ ناقَتِي
لِكَلْكَلِها وَالْقُصْرَيَيْنِ وَجِيبْ
١١ لِتَبْلُغَنِّي دارَ امْرِئٍ كانَ نائِيًا
فَقَدْ قَرَّبَتْنِي مِنْ نَداكَ قَروبُ
١٢ إلَيْكَ أَبَيْتَ اللَّعْنَ كانَ وَجِيفُها
بِمُشْتَبِهاتٍ هَوْلُهُنَّ مَهِيبُ
(ثُمَّ يَأْتِي وَصْفُ الصَّحْراءِ وَوَصْفُ الصَّيْدِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى وَصْفِ الْمَعْرَكَةِ)
١٣ فَوَاللَّهِ لَوْلا فارِسُ الْجَوْنِ مِنْهُمُ
لَآبُوا خَزايا، وَالْإيابُ حَبِيبُ
١٤ تُقَدِّمُهُ حَتَّى تَغِيبَ حُجولُهُ
وَأَنْتَ لِبَيْضِ الدّارِعينَ ضَرُوبُ
١٥ مُظاهِرُ سِرْبالَيْ حَدِيدٍ عَلَيْهما
عَقِيلا سُيوفٍ مِخْذَمٌ وَرَسُوبُ
١٦ فَقاتَلْتَهُمْ حَتَّى اتَّقَوْكَ بِكَبْشِهِمْ
وَقَدْ حانَ مِنْ شَمْسِ النَّهارِ غُروبُ
١٧ تَجُودُ بِنَفْسٍ لا يُجادُ بِمِثْلِها
فَأَنْتَ بِها عِنْدَ اللِّقاءِ خَصِيبُ
١٨ تَخَشْخَشُ أَبْدانُ الْحَدِيدِ عَلَيْهِمُ
كَما خَشْخَشَتْ يُبْسَ الْحَصادِ جَنُوبُ
١٩ وَفي كُلِّ حَيٍّ قَدْخَبَطْتَ بِنِعْمَةٍ
فَحَقٌّ لِشَأْسٍ مِنْ نَداكَ ذَنُوبُ
٢٠ وَما مِثْلُهُ في النَّاسِ إلّا أَسِيرُهُ
مُدانٍ وَلا دانٍ لِذاكَ قَرِيبُ


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى