فاتن فاروق عبد المنعم - مذبحة الأرمن ٤

أماني الشعب الأرمني:

الروس الذين استبشعوا فعل الأرمن ونددوا ونهروا وزجروا، رد عليهم الأرمن بالقول:

«إنكم روسيون على كل حال، فلا يمكنكم أن تفهموا أماني الشعب الأرمني»

فما هي أماني الشعب الأرمني؟ وما هي المكاسب التي عادت عليهم أو حققوها بالانفصال؟

ولنا أن نسأل ما هو ثقل أرمينيا اليوم مقارنة بثقل تركيا؟

والذين كانوا يحرضون الأرمن أو يستخدمونهم لتحقيق أطماعا استعمارية تخصهم، ماذا يقدمون لهم اليوم؟ لا شيء يذكر،

كما أن الأرمن الآن شيء لا يذكر، وأنهم تم شحنهم طائفيا لتحقيق مكاسب لآخرين دون مكاسب حقيقية لهم.

روسيا القيصيرية:
تعرضنا هنا لموقف بعض الضباط والجنود الروس، وهو موقف إنساني بحت لا علاقة له بالقيادة السياسية،

ذلك لأن روسيا القيصيرية كنظام كان لها دورا مباشر في استقطاب الأرمن نكاية في الدولة العثمانية نظرا للصراع الطويل بين الجانبين،

فقد مارست روسيا إرهاب الدولة تجاه الدولة العثمانية على مدى قرون وهي التي قامت بإبادة مدن وقرى كاملة كانت آهلة بالسكان المسلمين، باجتثاثهم كعنصر،

ومن تبقى منهم قامت بطردهم وإحلال الأرمن بدلا منهم وتسليحهم، لا يماثلهم في الفعل سوى فعل اليهود مع الفلسطينين،

وليس ذلك فحسب وإنما علموهم كيفية التجسس على العثمانيين.

في تسعينيات القرن الثامن عشر صرح رئيس أساقفة أرمني «أورجوتنسكي دولجوروكوف» بأمله وإيمانه أن الروس سيحررون الأرمن من حكم المسلمين،

وقد سهلت علاقة المتمردين بالكنيسة الأرمينية،

فقد كان الأساقفة والكهنة ينقلون الرسائل والتقارير إليهم وكانت بعض الكنائس والأديرة مستودعا للأسلحة،

حول رئيس دير للراهبات (باغرات فاردابيت تافاكليان أو آكي) دير ديرك، إلى مستودع أسلحة ونقطة تسلل المتمردين الأرمن في الإمبراطورية العثمانية.

الاتحاد والترقي الماسوني
قام حزب الاتحاد والترقي الماسوني بالزج بتركيا في الحرب العالمية الأولى كي تتفكك الدولة العثمانية،

الشوكة التي كانت في حلق روسيا وأوروبا على حد سواء، فقامت روسيا بتسليح الأرمن داخل تركيا ليطعنوا الجيش العثماني من الخلف،

وبالطبع استغلوا حالة الحرب وقاموا بثورات عدة، ولم تأمر الدولة العثمانية بذبحهم والتنكيل بهم

وإنما بتهجيرهم من المناطق الحدودية المتاخمة لروسيا إلى مناطق داخلية،

وأوصى السلطان العثماني قرارات غاية في الإنسانية، منها التوصية برعايتهم, صحيا وماليا واجتماعيا،

وأن يسمح لهم بنقل أموالهم المنقولة معهم، وأن تعاد اليهم مساكنهم عندما يعودون لبيوتهم، وأن لا تهدم كنائسهم،

وأن يتم بناء وإصلاح الكنائس التابعة لهم التي تعرضت للضرر،

كما شمل القرار إيقاع أشد العقوبات بكل من يتعرض للأرمن بالإيذاء من قبل المواطنين الأتراك الآخرين، ولكن أبو إلا أن تنطبق عليهم الآية

(وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ 120 ) البقرة

والتي تغافل عنها السلطان عبد الحميد رحمه الله الذي كان يثق بانجلترا ثقة عمياء في كونها تحافظ على بقاء الممالك العثمانية،

حيث أن انجلترا سرعان ما احتلت اسطنبول،وبحثت في أضابير الحكومة العثمانية عن ملفات تدينها بقرارات إبادة للأرمن

فوجدت عكس ذلك تماما حيث عثرت على قرارات السلطان آنفة الذكر

بالإضافة إلى تعويض كل أرمني يفقد آلة صناعية كان يشتغل بها ويسترزق بها ليعوض بآلة جديدة أخرى وحفظت الحكومة لهم كنائسهم وبيوتهم.

خدعة مذابح الأرمن
وقد تناول الكثير من الباحثين الغربيين خدعة مذابح الأرمن والكلام المعكوس الذي ادعوه،

وساعدتهم على نشره الدعايات الصهيونية، وقد تحققوا من أنها كذبة كبرى,

وأن المسلمين الأتراك هم الذين تعرضوا للعدوان الأرمني, ويشهد التاريخ على ولاء الأرمن للروس ضد بلادهم ومنذ قرون من الزمان،

أما فرية مذابحهم فقد خلقتها روسيا القيصيرية والصهيونية المعادية للمسلمين أينما ثقفوا.

لقد قتل ملايين المسلمين على أيدي الأرمن والروس واليونان والبلغار والصرب والفرنسيين والأمريكان والإنجليز والطليان والهندوس والسيخ والبوذيين وعباد البقر والصينيين،

ولم يطالب أحد بمعاقبة الجناة المجرمين الذين ارتكبوا هذه المجازر الجماعية!

المسلمون الذين كانوا ولا يزالون ضحايا هذه المجازر البشرية البشعة يقدمون على أنهم جناة متوحشون، فما لكم كيف تحكمون؟

إنها الحروب الصليبية الممتدة التي لم تتوقف إلا من جانبنا،
خيول ريتشارد وكونراد وألفونس ولويس ما زالت تجوس ببلادنا، ومدافع نابليون وكرومر ما زالت مشهرة في وجوهنا،

قد يتوارون ويصدرون آخرين لطمس الصورة وللتعمية ولكن تبقى الحقيقة ماثلة، إصرارهم لا يفتر عزمه ولا يتقلص حجمه بل يتضخم ويتشعب ويستقوى بالتيه الذي نجوس فيه.

نحن عقد انفرط حباته، ولا وصال بينها، فلكل منا شأن يغنيه، الفعل واحد قديما وحديثا،

لا إبداع فيه ولا ابتكار يذكر، الهم واحد والخطب جلل لأن المحرك للأسباب واحد لا يخفي وجهه القبيح،

إنه السامري الذي يوحد الأمم على عدائنا، فماذا أعددنا لإفشال خططه؟

وكيف لنا أن نواجه كتل متضامة ونحن دون كيان موحد مشهر في كل الوجوه؟

العالم لا يحترم سوى القوي، والقوة دائمة في الكتلة، الفرقاء تواجهنا في تحالف، فلماذا لا نواجههم في تحالف مماثل؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى