نويميا دي سوسا Noémia de Sousa - إذا أردتم أن تعرفوا من أنا.. ترجمة أسامة إسبر

إذا أردتم أن تعرفوا من أنا،
تفحَّصُوا بأعينٍ حريصة
تلك المنحوتة الخشبية السوداء
التي نَحَتَتْها واشتغلتْ عليها
اليدان المُلْهَمتان لأخٍ مجهولٍ من شعب ماكوندي
في أراضٍ بعيدةٍ في الشمال.

هذه المنحوتة هي أنا:
بمحْجريْ عينيها الفارغين اليائسين من امتلاك الحياة،
بفمها الذي شقّقته جراحُ الألم،
بيديها الكبيرتين المسطّحتين،
المرفوعتين كما لو من أجل التوسّل والتهديد،
بجسدها الموشوم بندوبٍ مرئية وأخرى لا مرئية،
من سياط العبودية القاسية...
جسدها المعذّب والرائع
الفخور والصوفي.

أنا إفريقيا من الرأس إلى أخمص القدم
آه، هذه أنا.

إذا أردتم أن تفهموني
هلمّوا وانحنوا فوق روحي الأفريقية،
وسط أنين الزنوج على رصيف الميناء
وسط رقصات مسعورة للتشوبس
وسط تمرد الشاغاناز
وسط كآبة غريبة تتصاعد في الليل
من أغنية للسكان الأصليين...

قصيدة جواو

كان جواو في ريعان شبابه مثلنا
كان لجواو عينان واسعتان يقظتان
وأذنان مصغيتان
يدان تمتدان إلى الأمام
ذهنٌ يفكر بالغد
وفم مُفَصَّل كي يصرخ "لا" أبدية
كان جواو في ريعان شبابه مثلنا.

كان جواو أبَ وأمَّ وأخَ الحشود
دمَ وعَرَق الحشود
كانت ترتسم على وجهه الابتسامة المتعبة نفسها
لعاملات الحوانيت وهن يغادرن العمل.
عانى بصبر المرأة الفلاحة
شعر بأشعة الشمس تخترقه كشوكة في الظهيرة العربية
ساوم على مقاعد السوق مع الصينيين
باع خضاراً رديئة للتجار الآسيويين
زأر بأغان روحية من هارلم مع ماريون أندرسون
رقص على إيقاع ماريمبا تشوب يوم الأحد
صاح مع الثوار صيحة الدم الخاصة بهم
كان سعيداً في ضوء القمر الأبيض كالمنيهوت
غنى مع الشيلابوس أغاني الحنين إلى الوطن
حَدَاهُ أملٌ قويٌّ كالجميع
بصباحات مذهلة لها أفواه مفتوحة كي تنشد
كان جواو دمَ الحشود وعرقها
كان جواو في ريعان شبابه مثلنا.

كان جواو وموزمبيق شيئاً واحداً
لم يستطع جواو أن يوجد دون موزمبيق
كان جواو مثل شجرة نخيل، وشجرة جوز هند
وصخرة، مثل بحيرة نياسا، ومثل جبل

كان كغابة، كشجرة ماكالا
كشاطئٍ، كمرفأ مابوتو البحري، كالمحيط الهندي
كان جواو جزءاً لا يتجزأ من موزمبيق ومتأصلاً فيها
كان جواو في ريعان شبابه مثلنا.

تاق جواو كي يعيش
تاق كي يغزو الحياة
لهذا مقتَ السجون والأقفاص والقضبان
وازدرى الرجال الذين صنعوها.
ولأن جواو كان حراً
و نسراً وُلد كي يطير
ازدرى جواو السجون والرجال الذين صنعوها
كان جواو في ريعان شبابه مثلنا.
ولأن جواو كان في ريعان شبابه مثلنا
وله عينان مفتوحتان ومتيقظتان
واستمتعَ بالفن والشعر وكتابات خورخي أمادو
وكان دمَ الحشود وعرقها
ولأنه كان متوحّداً بموزمبيق
ونسراً وُلدَ كي يطير
كره السجون والرجال الذين صنعوها
خسرنا جواو
خسرنا جواو

آه، لهذا السبب خسرنا جواو
ولهذا نبكي ليلاً ونهاراً على جواو
على جواو الذي سرقوه منا.

غير أننا نسأل:
لماذا أخذوا جواو
جواو الذي كان شاباً ومتحمّساً مثلنا
جواوا الذي كان متعطّشاً للحياة
جواو الذي كان شقيقاً لنا كلنا
لماذا سرقوا جواو منا
جواو الذي تحدّث عن الأمل والأيام المشرقة؟

جواو الذي كانت نظرته كعناق أخٍ
جواو الذي كان لديه دوماً مكان ما لأحد منا كي يسكن معه
جواو الذي كان أما وأباً لنا
جواو الذي كان سيصبح مخلّصنا
جواو الذي أحببناه ونحبه
جواو الذي كان ينتمي بقوة إلينا
آه، لماذا سرقوا جواو منا؟
لا أحد يجيب
الجميع لامبالون، لا أحد يجيب.

لكننا نعرف لماذا أخذوا جواو منا
جواو الذي كان حقاً أخاً لنا.
لكن ما الذي يهم؟
ظنوا أنهم تخلصوا منه لكن جواو هنا معنا
في الآخرين القادمين
في الآخرين الذين أتوا،
جواو ليس وحيداً
جواو حشد
جواو دم الحشود وتعرقها
ولأن جواو هو جواو هو أيضاً جواكيم وخوسيه عبد لله
وفانغ وموسومبولوكو وماسكارنيهاس وعمر ويوتانغ وفابياو،
جواو هو الحشد، دم وعرق الحشود.

من يستطيع أن يأخذ خوسيه وجواكيم وعبد الله وفانغ وموسومبولوكو وعمر ويوتانغ وفابياو؟
من؟
من الذي يستطيع أن يأخذنا كلنا ويضعنا في قفص؟

سأنهض

تُوجِّهُ إليّ الضربات وتُهدّدني
غير أنني أرفع الآن رأسي، بعد أن تَنَوَّر
صارخةً في وجهك: كفى!
توقّفْ عن الحكم عليّ بالظلام الأبدي.

لقد تنورتْ روحي الأفريقية
اكتشفتْ الخداع والدجل وصرختْ، صرخت ألف مرة: كفى!

سجنتني في هذا القفص
وتريد الآن صلبي.
أستمدّ الآن اللون الوردي من عينيَّ
وأصرخ: كفى!
توقّفْ عن الحكم علي بالظلام الأبدي
لقد تنورتْ روحي الأفريقية الآن واكتشفتْ الخداع والدجل
وصرختْ، صرخت ألف مرة: كفى!

أيها الجلاد الأحول
يا من له أسنان آكل لحوم بشر حادة
ويدا بدائيٍّ متوحش
تعال بهراوتك وتهديدك
احبسْني في قفصك وعذّبْني
أحضرْ أدوات تعذيبك
واقطعْ أعضائي واحداً واحداً
اقتلع عينيّ واحكم عليَّ بالظلمة الأبدية.
هذا لا يهمني
لأنني سأنهض بعد أن عدتُ إلى نفسي،
سأنبعثُ
من بقايا روحي
ساطعةً وصارخة ضد كل شيء: كفى!
كفى، كفى، كفى!

المرأة السوداء

بأعينهم الثملة بعوالم أخرى،
حاول الغرباء أن يتغنّوا بمفاتنكِ
بأسراركِ العميقة
بحالات النشوة التي تقدمينها، بسحرك
بجمالك الأفريقي الفاتن
غير أنهم عجزوا أن يعبّروا عنك
في أغانيهم الرسمية المتكلفة،
الخالية من العاطفة والصدق.

بقيتِ عصية،
غير قابلة للصيد
حافَظْتِ على عذريتكِ
من محاولاتهم لانتهاكك.

جعلوك تتنكرين
كأبي هولٍ من خشب الأبنوس،
كعاشقةٍ حسية
كإناءٍ إتروسكاني،
وكغرابة استوائية.

وصفوكِ بالهذيان
بالجاذبية والقسوة
بالحيوانية والسحر
وبما لا يُحْصى
من نعوتٍ أخرى منمّقة وفارغة،

غير أنك،
أيتها المرأة السوداء،
كنتِ في أغانيهم الرسمية المتكلفة
كلَّ شيء إلا نفسكِ.

أحمدُ الله،
أحمدُ الله أنهم تركوا الأمر لنا،
نحن المنحدرين من دمك،
من أعصابك ولحمك
من روحك ومعاناتك
تركوا لنا عَظَمَة فريدة نستشعرها الآن في قلوبنا
حين نتغنى بك
وننشد المدائح لك
بعاطفة صادقة وعميقة،
معجونة ومجبولة ومسكوبة كلّها في هذه المقاطع الهائلة والمنيرة:
يا أمّنا.



[ترجمة أسامة إسبر، المصدر: Black Blood].



الشاعرة نويميا دي سوسا: أنا إفريقيا، من الرأس إلى أخمص القدم
الشاعرة نويميا دي سوسا: أنا إفريقيا، من الرأس إلى أخمص القدم
By : Osama Esber أسامة إسبر

[كارولينا نويميا أبرانشيز دي سوسا سواريس، المعروفة باسم نويميا دي سوسا (١٩٢٦- ٢٠٠٢)، شاعرة من موزمبيق، عُرفت من خلال كتابها الذي صدر بعنوان "دم أسود"، وتنحدر من أصول برتغالية وأفريقية، وكانت ناشطة وعضواً فاعلاً في الحركة الأدبية المناهضة للكولونيالية في موزمبيق، التي اتسمت بالروح المتمردة على التبعية والتأكيد على الهوية المحلية والعمق الثقافي الأفريقي، ولقد انعكست هذه الروح التمردية والمؤكدة على الهوية الأفريقية في شعر نوميا دي سوسا، ذي الطابع الغنائي والمشبع بالخلفيات الثقافية المحلية].

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى