ألف ليلة و ليلة فاخر الداغري - علاقة ألف ليلة وليلة بالأدب المقارن

حكايات ألف ليلة وليلة هي موروث شعبي يمتلك مقومات وجوده كأثر أدبي نوعي يدخل بقوة في موضوعة التراث والتراثية، إنها إرث حضاري فكري ثقافي مدوّن موصوف بأنه من أوسع ماكتب بطريقة التخيل والخيال.إنه اكثر الموروثات قراءة واعظمها غرابة من حيث الخرافة والأساطير. وفي هذا الصدد يقول الشاعر الفرنسي باتريس دولاتوردوبان «الشعب الذي لا اساطير له يموت من البرد».لقد وصفتها دائرة المعارف الاسلامية بأنها «أشهر مجموعة عربية حظيت باهتمام الأدباء والشعراء والروائيين والسينمائيين في العالم اجمع» وقد وضعت حولها دراسات وتعقيبات تناولتها بالبحث والتحقيق نيلت على أثرها شهادات عليا في مجال التخصص والابداع.ونظرا لتنوع المعالجات الأدبية فيها يعني هذا أنها ليست من كتابة أديب واحد بل كتبتها وأنشأتها اجيال متعاقبة منذ أوائل العصر العباسي حيث ذكرها المسعودي في كتابه ( الفهرست) المتوفي سنة 346هـ.في بغداد كان نشوؤها اولاً حيث مقر الدولة العباسية ثم تلتها قصص مصرية حدثت وقائعها في القاهرة في عصر المماليك وازدات هذه الحكايات كما ونوعاً حتى القرن السابع عشر الميلادي.أما علاقتها بالأدب المقارن فهي متأتية من كون الأدب المقارن هو عملية تفاعل ادبي تضافرت فيه الجهود الثقافية واخرجته كأدب إنساني، فقد امتلكت الصفات العالمية التي يمتلكها الأدب المقارن حيث (( أن التأثر لايمحو الاصالة بل يعمقها ويغنيها ويوسع آفاقها )) الامر الذي يعد فيه لامارتين مثل ساطع في سماء الأدب المقارن كونه زوّد الأدب الفرنسي بروائع اشعاره ودراساته التاريخية، والمثقفون عموماً يعرفون اهمية كتابه (رحلة الى الشرق) بجزأيه مضافاً الى دراساته الفنية واهتمامه بالعرب كمصدر لحضارة الشرق اذ قدم دراسة مستفيضة عن عنتره بن شداد وسيرته الأدبية.وفي هذا الصدد يقول ڤان تيكن «الأدب المقارن اداة التفاهم العالمي» اذ يوفر هذا الأدب موقفاً ودياً وتفاهماً اخوانياً بين البشرية اي امتلاك مقدمات الحرية الثقافية التي لايمكن بدونها اقامة اي عمل بين الشعوب.وفي هذا المعنى يقول الدكتور محمد غنيمي هلال «عالمية الأدب يراد بها هنا خروج الأدب من نطاق اللغة التي كتب فيها الى أدب لغة او آداب لغات أخرى» . وهذا يسهم في جعل الأدب المقارن مساهماً في توريد المناهل الأدبية العذبة. أي أن عالمية الأدب تعني خروج الآداب من حدودها القومية بدافع التفاعل الأدبي والتغذية الراجعة الى مساندة التعاون الفكري والفني مع بعضه البعض حيث استطاع الأدب العربي أن يسهم في نشر الآداب العالمية منذ القرون الوسطى حين رفد الحضارة في اوروبا بذخائر العلوم والنشاطات والآداب العربية.
وقد طبعت حكايات ألف ليلة وليلة في فرنسا وحدها اكثر من ثلاثين مرة خلال القرن الثامن عشر وحده وقال عنها فولتير: «انه لم يزاول فن القصص الا بعد ان قرأ الف ليلة وليلة اربع عشرة مرة» وقال احد القصاصين الفرنسيين المشهورين انه « تمنى ان يمحو الله من ذاكرته الف ليلة وليلة حتى يعيد قراءتها فيستعيد لذته بها»وكان اثر ألف ليلة وليلة واضحاً في الأدب البيزنطي حيث انتشرت الانماط الشعبية البيزنطية في الشعر على شكل أغانٍ تردد على ألسنة العامة من الناس في القرنين التاسع والعاشر الميلادي تخليداً لاعمال العسكريين البيزنطينين الذي قتلوا في الحروب التي شنها العرب على بيزنطة ومثال ذلك ملحمة ديجنيس اكرتياس: (Digenis Akritas)التي كانت في مقدمة الأغاني الشعبية. وفي مجال القصة نجد المستشرق جون براند برند 1887-1958 كان اول من اكتشف الصلة التي تربط ( ألف ليلة وليلة بسيرة الفارس سيفر) وهو كتاب عن الفروسية حيث كانت فكرة القصة مأخوذة من قصص الف ليلة وليلة.وفي المسرح نجد ان الأدب الاسباني منذ القرن الرابع عشر حتى القرن السادس عشر كان حاملاً مظاهر التأثر العميق بمجموعات القصص العريقة المستمدة من الف ليلة وليلة وكان من بعض شخصياتها زينب النصابة ودليلة المحتالة.وكانت الاندلس بداية اتصال العرب بأوربا لأول مرة في أوائل القرن الثامن الميلادي حين عبر طارق بن زياد مضيق جبل طارق عام 711م وانتصر على (لوذريق) حيث لعبت الاندلس دوراً فعالاً في نقل تراث العرب الى اوربا مضافاً الى التبشير في نشر مبادئ الدين الاسلامي الحنيف. وصقلية المحطة الثانية في نقل تراث العرب في حكايات الف ليلة وليلة حين استولى الأغالبة على جزيرة صقلية عام 827م ورسخوا حكمهم فيها عام 902م ثم حكمها الفاطميون في مصر وبذا تكون الحضارة العربية قد ازدهرت من خلال الحركة الفكرية التي عمقتها حكايات الف ليلة وليلة مضافاً الى انتشار أثار هذه الحكايات في امصار وبلدان مثل آسيا وأفريقيا كالصين والهند وكشمير والنمسا وجنوه والقسطنطينية وديار بكر واليمن والحبشة والسودان والمغرب حيث جاء فيها وصف لطبقات المجتمع هناك وقدمت وصفاً لأفراحه واتراحه وعاداته وتقاليده. ومن الأدباء العرب الذين كتبوا عن الف ليلة وليلة الدكتورة سهير القلماوي التي هي خير من كتب عن هذه الحكايات حيث قالت ما نصه «أثارت الف ليلة وليلة بعد ان نقلت الى لغات الغرب شغفاً في نفوس الغربيين بجمع الأدب الشعبي ودراسته على نحو لم يكونوا قد بدأوا يحسون الحاجة اليه» فهو يثير للتطلع الى معرفة الشعوب التي تنتج هذا الاثر الادبي المتميز الامر الذي كان دافعاً مباشراً لزيارة البلاد الشرقية.والى جانب الدكتورة سهير القلماوي كان اكثر الباحثين العرب احمد حسن الزيات وجرجي زيدان. ومن الأدباء والكتاب العراقيين الذين اهتموا بحكايات الف ليلة وليلة هما الدكتور محسن جاسم الموسوي والدكتور عبدالجبار محمود السامرائي حيث وصفها الدكتور الموسوي في الموسوعة الصغيرة تسلسل 92 بأنها «ذلك المزيج الدقيق بين الواقع والخيال بين الطبيعي والعقلاني والخارق والغريب».اما الدكتور عبدالجبار السامرائي فقد وصفها في ص5 من الموسوعة الصغيرة تسلسل 118 بأنها صورة تأريخية صادقة لحياة المجتمع الشرقي في القرون الوسطى وما كان عليه اصل المجتمع من طبائع وعادات.وتظل حكايات الف ليلة وليلة موروثاً حضارياً وكنزاً أدبياً ثميناً ظل يعيش في وجدان المجتمع في القرون الوسطى وقد حظي باهتمام الأدباء والشعراء في الحقب التاريخية التي مرت فهو ارث شعبي قل نظيره في علم الأدب العربي حين تلقفه الأدب الأوروبي بشغف ورغبة في الاطلاع عليه ولا تزال متعة قراءته سارية المفعول.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى