ياسر أنور - الحروف المقطعة في القرآن ، قراءة جديدة.(1)

لا شك أن الحروف المقطعة التي افتتحت بها بعض سور القرآن الكريم، وخاصة (السور المكية) ، لا شك أنها تمثل افتتاحيات مدهشة غير مسبوقة في أي كتاب سماوي ولا أي كتاب آخر. وهذه الحروف تمثل بصمة خاصة لجلال وجمال (النص ) القرآني. وقد اختلف موقف الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم تجاه معنى أو معاني هذه الحروف بين مفوض أمرها وسرها إلى الله ، ومن حاول تأويلها بطرق مختلفة ، لكن رغم الخلاف بين المفوضين و المؤولين ، فإن هناك اتفاقا بين الجميع على أنه نبغي التعامل معها على أنها حروف، فهي ليست كلمات غامضة عصية على الفهم ، بدليل أنها تقرأ بطريقة التقطيع المعروفة. وقد توقف التعامل التقليدي مع تلك الحروف حول مجموعة من الدلالات التي يمكن إيجازها في أنها : - من أسماء القرآن أو من أسماء الله ، أو أنها لها علاقة بفكرة الأعداد و أنها تحمل تواريخ لأحداث معينة وغير ذلك من التأويلات التي كان أشهرها أنها تحمل نوعا من التحدي للعرب في الإتيان بمثل هذا القرآن المؤلف من مثل حروفكم المعروفة. ومع تطور المعارف البشرية حاول بعض المجددين أو المتظاهرين بالتجديد تطوير المفهوم القديم لتصبح تلك الحروف شفرات كونية كبرى. ومع ذلك فلم تستطع (كل) التفسيرات (القديمة)، و(الجديدة) فك تلك الشفرات بطريقة تقنع السلف والخلف على السواء. وقد ظل الأمر بهذه الطريقة الاستاتيكية على مستوى التلقي من (الاطمئنان والتفويض) أو اعتبار أنها من المتشابه الذي لا ينبغي الخوض فيه. لكن مع تنامي ظاهرة المناظرات بين الأديان ، وانتشار زوبعة الإلحاد ، أصبحت هذه الحروف مدخلا لإثارة الجدل بل و للطعن في القرآن بعد أن كانت مثار إعجاب ودهشة لفرادتها غير المسبوقة. ومن خلال تجربتي مع الملحدين وجدت أن التفسيرات القديمة ليست مقنعة لهذه الطائفة من مثيري الشبهات، ووجدت أن هناك تأويلات أخرى يمكن أن تكون أكثر إقناعا، ومن هذه التأويلات:

-أن هذه الحروف تعتبر (وثيقة علمية) على الثقة في ( النص القرآني) الذي انتقل إلينا حرفا حرفا دون تحريف في طريقة (النطق )أو (القراءة) ، فعلى الرغم من انه لم يكن هناك نقط للحروف، فإن حم ، ظلت كما هي حا ميم لا خا ميم ولا جا ميم على مستوى التقطيع الحرفي وطريقة الأداء سواء كان ذلك مدا طبيعيا أو مدا لازما، كما أنها ظلت كما هي حروفا، ولم تتحول إلى كلمات، وفي هذا رد على الذين ادعوا بأن اختلاف القراءات القرآنية كان نتيجة لعدم وجود النقط أو (التشكيل) كما في قراءة (فتبينوا) ، و(تثبتوا) ، فجاءت هذه الحروف بتميزها و الاتفاق على قراءتها لتثبت عدم التدخل البشري في أي حرف من حروف القرآن.

- الأمر الثاني ، وهو الأهم ، لأنه يتعلق بطريقة تعامل المفسرين مع سور القرآن على أنها نزلت جملة واحدة ، - وهذا ليس صحيحا - ، فهناك سور استغرق نزولها سنوات مثل سورة البقرة ، كما أن سورا مثل نون والعلق والمزمل والمدثر ، كانت في حاجة أيضا إلى سنوات لتكتمل ، وقد أثبتنا ذلك في بعض الكتب والدراسات السابقة ، ويمكن الرجوع إليه. وإذا كان الأمر كذلك ، فإن بعض التساؤلات يمكن أن تثار حول كيفية وضع كل آية في سورتها دون حدوث (تداخل) بين الآيات والسور المختلفة. من هنا جاءت الحروف المقطعة لتثبت صحة (النص القرآني) نطقا وتجميعا(كتابة)، ولذلك نجد أن أكثر الحروف المقطعة تكون متبوعة بقوله تعالى : تلك آيات الكتاب المبين ، أو تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ، فهي دليل على صحة القراءة (قرآن) ، ودليل على صحة (التجميع) أو الكتابة. وذلك من خلال الآتي:

فإذا كانت السورة تبدأ بحرف نون مثلا مثل قوله : نون والقلم وما يسطرون، فإن حرف النون يكون مهيمنا على آيات السورة من أولها إلى آخرها حتى ولو استغرق نزولها سنوات، فآياتها تلحق بها لوجود شفرة حرف النون دليلا عليها في كلمات مثل: نعمة ربك – مجنون- تدهن- بلوناهم- أصحاب الجنة حتى آخر السورة. وكذلك الحال في سورة ق مثلا : والنخل باسقات- إذ يتلقى المتلقيان- قعيد- سائق- قرينه – فنقبوا ... حتى آخر السورة ، وأيضا سورة ص : مناص- فصل الخطاب- نبأ الخصم – الصافنات الجياد -المصطفين الأخيار-

وإذا ثبت أن كل آية ألحقت بسورتها في تلك السور التي تبدأ بتلك الحروف المقطعة ، كان ذلك دليلا على صحة إلحاق كل آية بسورتها في السور الأخرى ، وهذا دليل على عصمة القرآن من أي خطأ على مستوى الحرف قراءة وكتابة ، ولذلك فهذه الحروف هي آية الكتاب الكبرى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى