عبدالرحيم التدلاوي - قراءة تحليلة لرواية "عندما تقرع الطبول" لآمنة برواضي.

عنوان الرواية يتشكل من طرفين؛ واحد ظاهر، هو: عندما تقرع الطبول، الظرفية، وثان مضمر، يستدعيه الأول، ولا يمكن أن يكتمل إلا به، وهذا الثاني يتطلب تبيانه بالتأويل المناسب، والراجح أنه العمل. لتصير الجملة كالتالي: عندما تقرع الطبول يحدث ما في العمل. والأكيد أن الحديث سيكون حول التصدع النفسي والاجتماعي والاقتصادي الذي سيعيشه الإنسان جراء الحرب. فقرع الطبول إشارة دالة على بدايتها. وفي المقابل، يمكن أن يكون قرع الطبول بداية نهاية الحرب وانتعاش السلام والمحبة وتحقيق الكرامة الإنسانية.

قضايا الرواية:
تناولت الرواية قضايا عدة منها الفقر والحرمان، والغربة والتشتت، والضياع، والظلم، والتفاوت الطبقي، لكنها انتصرت للقيم الايجابية المتمثلة في التضامن والتآخي والتعاون، وتقديم يد المساعدة، وحب الوطن، والإيمان بالقضاء والقدر، واعتماد الصراط المستقيم لتحقيق النجاح. وكانت أسئلة الوطن والكرامة محورا أساسيا. نابذة لغة الحرب والكراهية منحازة للمحبة الإنسانية. فمثلا، نجد الرواية تنتقد وبشدة موضوع العنصرية من خلال إشارتها لبعض المغاربة الذين كانوا يهينون مامادو المالي، بكلام جارح، يسخر من لونه، ويعده بشرا من الدرجة الثانية؛ هو خطاب حاط من كرامة الإنسان، ودال على حقارة من يحمله.
المتن
تتخذ الرواية الحرب موضوعا لها للحديث عن آىثارها السلبية على الفرد والمجتمع، وذلك من خلال أسرة كانت تعيش وضعا مستقرا إلى أن عصفت بها الحرب وشتتها، مبعدة أفرادها عن ديارهم التي عشقوها، فارتحلوا إلى بلدان مختلفة حيث عاشوا أوضاعا مزرية بعد رحلة مليئة بالمخاطر والصعوبات؛ ومن بين تلك الأسر، أسرة عصام التي حلت بالمغرب. ليجد عصام نفسه بائعا للمناديل على الرصيف قرب إشارة المرور صحبة رفيقيه، المالي مامادو، والمغربي سالم. وبعد فترة من الزمان، يحدث تحول إيجابي، إذ يمر رجل بسيارته الفاخرة ويمد سالما بنقود تدخل الفرحة على المجموعة، فتفكر في قضاء يوم جميل وممتع، تصرف تلك النقود في متعة حلال. وبعد اعتراضات يقر فكرهم على الذهاب إلى مطعم لتناول وجبة غذاء، وهناك يعرفون أن صاحب المطعم هو صاحب النقود، وليتم دمجمهم ضمن عمال المطعم بعد أن رأى صاحب العمل جديتهم واستقامتهم، وبخاصة عصام وسالم، أما مامادو، فلم يكن أمره بيده، فهو تابع لجماعته التي تجمع المال لتوصل أفرادها إلى الضفة الأخرى.
وينفتح قلب صاحب المطعم لعصام السوري، ويقيم معه حوارا يقود إلى معرفة هوية الرجل الذي ساعد صالح في غربته، ولتنبعث آمال العثور عليه بعد فترة معاناة وحيرة.
فما حكاه صاحب المطعم لعصام جعل آماله تنتعش نسبيا لكون أبيه ما زال على قيد الحياة ، ولكن الفرحة لم تكتمل لكون السيد صالح لا يعرف أين اتجه أبو عصام بعد رجوعه للمغرب ...لكن استخدام وسائل الاتصال الحديثة قد تؤمن المعلومة المطلوبة التي بها سيتحقق اللقاء الذي سيظل محلوما به إلى حين.
ويمكن عد ما ورد في الصفحة 206 تلخيصا موجزا للعمل الروائي.
رواية "عندما تقرع الطبول" لآمنة برواضي رواية زاخرة بالمعلومات حد التخمة. أما أحداثها فتسير ببطء كونها تعتمد على الاسترجاع بتحريك آلية التذكر؛ وقد عمل الاسترجاع، على إثقال كاهل الأحداث فأبطأ الأفعال المحركة للسرد والمندفعة إلى الأمام، فالإحساس بالتشرد، كما تقول الأم في ص 161، يملؤنا، نعم الإحساس بالضياع يشدنا إلى الماضي بقوة، كل الأحداث تطل علينا على امتداد الوقت ومن كل الفجوات أصبحنا نعيش فيها وبها. غن شخصيات النص تعيش على ذكريات الماضي وتتحسر على ما حل به. تعيش هذا الواقع وتتطلع بخوف وحذر نحو مستقبل يبدو مجهولا؛ والمجهول يظل مخيفا، لذا، تحتمي بالماضي المشرق لتجاوز عقبة الحاضر، وتسير إلى الأمام برأس ينظر إلى الخلف.
كما أن المناجاة لم تعمل، هي الأخرى، سوى في إبطاء الأحداث، كونها تعتمد إما على استرجاع الماضي، وإما على كشف حيرة النفس وترددها في الاختيار ص207.
السارد العليم:
يقول سالم عن عصام إنه يمتلك قدرات للتعبير عن الأشياء التي عاشها وهو ما يؤكد أن الرواية من وجهة نظر الشاب السوري بصيغة وأسلوب السارد العالم؛ سردا ووصفا وحوارا.
سيطرة السارد الخارجي العليم على سرد الأحداث قلل من هيمنة
اللغة التعبيرية في تشكيل الرواية ، لأنه هو المعبر بكلماته عن أحاسيس
الشخصيات وانفعالاتها ، وأفكارها ، وانطباعاتها بواسطة التحليل الداخلي
، وقدعبر بأسلوبه الذي قد يعلو قليلا عن مستوى بعض
الشخصيات ، ولكن التشكيل جاء–في مقاطع كثيرة-متسما بالشعرية ،
ومعبرا عن المشاعر الداخلية للشخصيات ، وكاشفا لبواطنها.
سطوة السارد تتجلى في إعادة صياغة أقوال الشخصيات وبالأخص شخصيتا ممامادو والمغربي سالم. ص113. سالم الذي تغير فبدا يؤدي فرائضه ص115 وهو دليل البعد الديني الحاضر بقوة في العمل ص112. بل إن البعد هذا هو المهيم والمسيطر على كل مفاصل الرواية، فجميع شخصيات العمل يتصفون بالأخلاق السامية، ويؤدون فرائضهم بانتظام، ولا يأكلون الحرام، ويعملون بجد لتحقيق الربح الحلال. حتى سالم المتهور تحسنت أخلاقه، وبدأ يؤدي صلاته بخشوع هو الذي كان نابي الكلام، غير مكترث بالأنام.
لكن الذي ينبغي الإشارة إليه في هذا الجانب؛ أن تأثير شخصيات الشام في المغربية كان كبيرا؛ فقد هذبت سلوكها، ومكنتها من مهارات لم تكن لتكتسبها لولاها، حتى ليبدو للناظر أن الشخصيات المغربية تابعة وغير فاعلة وغير مؤثرة، وكأن لا تاريخ ولا ثقافة لديها..
عن السارد المحافظ:
تؤطر السارد المهيمن رؤية محافظة تتجلى بالأساس في ترجيح كفة الماضي على كفة الحاضر وتراه أفضل منه، وتنقذف فيه مجلية مزاياه ومحاسنه رافضة الحاضر لأنه يحمل مآسي لا ترغب في أن تعيشها الشخصيات، لذا، تنكفئ، شخصيات العمل، على الماضي وتعيش فيه. وتدعم تلك الرؤية آيات من الذكر الحكيم حيث يتم الاستشهاد بها لتقوية القول وتعضيده. وهي بهذه النظرة تؤبد الوضع السابق وترسخه ولا تسعى إلى زعزعته ونقضه ونقده، رغم أن الربيع بكل علاته كان محركه المطالبة بالحرية والديمقراطية والعدل والمساواة؛ وهي القيم الغائبة عن الوضع في السابق وفي حاضر سالم في اللحظة الراهنة وأبرز رموز ضحاياها هذا الشاب المغربي اليافع. ثم إن خالتي عائشة، وهي المرأة الوحيدة التي ظهرت على مسرح الأحداث، قد أشارت إلى هذا في معرض حوارها مع عصام؛ فكيف لامرأة شبه أمية أن تدرك أن الصراع الطبقي كان محرك الصراع المدمر لسوريا، في حين يغيب عن عصام المتعلم ومن ورائه السارد الذي يصوغ الكل وفق رؤيته وأسلوبه رغم أنها لم تقد التحليل إلى مداه الأبعد كما فعلت حركة 20 فبراير؟
لقد تم إغراق الانتفاضات الشعبية المطالبة بالخبز والحرية بالدم، وبدأت مسيرة الثورة المضادة التي كسرت كل المحرمات، ووجدت نفسها وقد ارتمت في الحضن الإسرائيلي.
عن مسألة المصادفة:
يقول عصام في ص110
الم أقل لكم أن لا وجود للصدفة، وأن كل ما يقع في حياتنا هو تسيير من الله تعالى لا يعلمها إلا هو.
اعتمادا على هذه الحجة الدينية نقف أمام مأساة الحرب متسائلين: أهي من تدبير العلي الحكيم أم هي من صنع الإنسان اللئيم؟
الحجة تسقط أي مسؤولية عن الإنسان في ما حصل ويحصل، علما أن الفعل بشري، نتيجة أطماعه وطموحاته، فإن سلمنا بقول عصام، سيكون معفيا، وأنه مدفوع إلى ذلك دفعا بإرادة علوية سماوية.
بهذا القول سيصير الإنسان مجرد لعبة في مسرح الدمى، وأن لا تبعات عليه ولا حساب، وأنه يؤدي، فقط، ما رسم له، وأن المسؤولية تقع على من حركه، وهنا، سنصل إلى مسألة عويصة طرحت منذ القديم: هل الإنسان مخير أم مسير؟
البحث عن الأب:
في ص108 يظهر نزار أبو عصام وهو الذي حضر في بداية العمل ثم غاب ليفسح المجال لابنه صحبة أصدقائه المغربي والمالي وهم قرب إشارة المرور يسترزقون ببيع المناديل. ولم يحضر سوى لحظة وجيزة ليفسح المجال ثانية لابنه وصديقيه.
يمكن القول إن الرواية هي بحث عن الأب/القائد/المخلص. ونزار هو هذا المبحوث عنه والقادر على تحقيق لم الشمل وقيادة المجتمع لكونه توفرت فيه مجمل شروط القيادة بنجاح. ويمكن اعتبار ما قاله نزار على لسان صالح في نهاية العمل وهو يحدث ابنه عصام، ص215 وما بعدها، بمثابة خارطة طريق، فإذا قمنا بإزالة تدخلات السارد وصالح، سنحصل على مداخلة سياسية في هذا المجال.
عن الأم:
تمثل المرأة المحافظة على شرفها وشرف أسرتها، والقيمة على أداء واجباتها على أحسن ما يرام، تسير وفق ما خططه لها زوجها وبخاصة لحظة الهروب من أتون الحرب. لقد تمكنت من لم شمل أسرتها في رحلة العذاب إلى أن بلغت المغرب حيث استقرت مؤقتا. امرأة قوية بإيمانها، واستقامتها. وهي تمثل في المتن الروائي حارسة الذاكرة والقيمة على الحفاظ عليها من أي اندثار ص159. تعمل على سرد الماضي لأبنائها الصغار حتى يبقوا على اتصال بتراث أجدادهم. وهو ما تؤكده بنفسها في ص 153.
عن عصام:
وصف عصام ص133.
يضطلع عصام بدور الأب رغم حداثة سنه، وترى فيه أمه شبها له؛ إنه الأب البديل الذي يعوض الأب الحقيقي في تحقيق أمن وسلامة باقي أفراد أسرته.
وإن ظل كما أمه وبقية إخوته متشوفين إلى عودة الأب لملء الفراغ الذي تركه مرغما.
أسلوب المقارنة بين البارحة واليوم بين ما كان وما صار ص148. الطبيب ماضيا وحاضرا. وبين المغرب وسوريا..
وإذا كان هذا الأسلوب يهدف إلى إبراز الفرق بين الطرفين والخروج بنتيجة كون السابق أفضل من اللاحق؛ فإنه في الحوار الذي دار بين عصام وصالح صاحب المطعم كان أكثر من ذلك؛ كان مقارنة تهدف إلى استنتاج مسبق، يتمثل في أن الأب ما زال على قيد الحياة، وأن الرجل الذي ساعد صالح وهو في ديار الغربة لم يكن سوى نزار أبي عصام. لقد كان الابن ينصت لكلام صالح بانتباه، ويستحضر رجلين في ذهنه، ليخرج بنتيجة أنهما واحد لا غير.
وسليم مغربي بسبب وضعيته المزرية والفقر الموروث يخدم والديه ، وهكذا انطلقت مسيرتهم في بيع أوراق النظافة وجمع النقود لكي تؤمن لهم الحاجيات الضرورية في الحياة . يعمل بتفان ليوفر المال الذي به يتمكن من شراء الأدوية لوالديه.
مامادو شخصية تسعى إلى عبور البحر باتجاه الضفة الأخرى بعد أن استقر لفترة بالمغرب قادما إليه من دولته التي تمزقها الحرب الأهلية.
صالح صاحب المطعم والرجل الكريم الذي زرع في نفس عصام أمل العثور على أبيه. الأب الذي كان طوق ناة لصالح ماديا ومعنويا.
عن المكان:
إضافة إلى إشارة المرور ، كنقطة مهمة وتقاطع ذي أهداف، والرصيف كامتداد لها ، نجد المطعم ثم البيت. وهي الأمكنة التي تدور فيها أحداث الرواية في اللحظة الراهنة، وتنفتح على أمكنة أخرى تسترجعها الذاكرة بنوع من الحنين والألم. ومن ذلك الأمكنة التي عاش فيها سالم كما وردت في ص88 و89 و90
عن المستقبل:
ويتجلى حين يخبرنا عصام ما الذي سيحكيه لأبيه لدى عودته. ص127.
الحلم المجهض من خلال حلم الأب ببناء منزل ذي مواصفات ص132.
محاولة التفكير في المستقبل والتخلص من سطوة الماضي باستعادة نصائح الأب في ما يتعلق بالتجارة. ص119.
رغم ان الذكريات لا تسلم نفسها للنسيان إذ تطغى على ذهن عصام. ص117.
في الختام:
قدمت المبدعة عملها الروائي بلغة سلسة لينة وتقنيات سردية منوعة، متناولة أثر الحرب النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية على سوريا وغيرها من البلدان العربية برؤية محافظة ترى الماضي أفضل من الحاضر وتجد المستقبل غامضا يثير الخوف ولا يشجع على الانفتاح عليه والسير قدما باتجاهه إلا في حالة العثور على القائد الملهم الذي يمكنه تولي هذه المهمة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى