د. محمد عبدالله القواسمة - إبراهيم الكوني: سر اهتمام الغرب به

إبراهيم الكوني: سر اهتمام الغرب به

د. محمد عبدالله القواسمة

يحظى الروائي العربي الليبي إبراهيم الكوني باهتمام كبير في الغرب، فقد اختارته مجلة لير الفرنسية ضمن الخمسين روائيًا عالميًا معاصرًا، كما أشادت به المراكز الثقافية والأكاديمية الغربية، ورشحته عدة مرات لجائزة نوبل، وورد اسمه دون غيره من كتاب العالم الثالث في كتاب سويسري يخلد الشخصيات المهمة التي أقامت في سويسرا. كما تُرجمت أعماله إلى كثير من اللغات العالمية، ودُرّست في جامعات مثل السوربون وطوكيو وجورج تاون. ونالت رواياته جوائز كثيرة: فعلى سبيل المثال نال على رواية "نزيف الحجر" جائزة الدولة السويسرية 1995 م، وعلى رواية "التبر" جائزة اللجنة اليابانية للترجمة 1997. وعلى رواية "واو الصغرى" جائزة التضامن الفرنسية مع الشعوب الأجنبية2002 م.

إن هذا الاهتمام الكبير من الدوائر الثقافية الغربية بالكوني ورواياته يطرح سؤالًا مهمًا عن سر هذا الاهتمام الذي لم يحظ بمثله الروائيون العرب من أمثال: عبد الرحمن منيف، وغسان كنفاني، وحنا مينا وجمال الغيطاني، ويوسف القعيد وغيرهم، حتى إن نجيب محفوظ لم يحظ بمثله إلا بعد أن نال جائزة نوبل عام 1988م.

لعل سر هذا الاهتمام بالكوني ورواياته لا يكمن في أسلوبه العربي الكلاسيكي، أو مهارته السردية، أو تقنياته الروائية المبتكرة مع تميزه في ذلك كله إنما يكمن، كما أرى، في جوانب أخرى، منها ما يتصل برواياته، ومنها ما يتصل بالفكر الغربي نفسه: فموضوع رواياته الصحراء بما تحتويه من نباتات وجمادات وحيوانات، والتعريف بأهلها الطوارق، وما يتصفون به من صفات جسدية وروحية، وما لديهم من عادات وتقاليد وأساطير وتوجهات صوفية. والمعروف أن موضوع الصحراء مرغوب فيه لدى النقاد والباحثين والقراء الغربيين؛ فالصحراء رمز الشرق بسمائها الصافية، وشمسها المشرقة، ورمالها الناعمة، وطيورها وحيواناتها الأليفة، وأساطيرها، وحكاياتها التي عرفوها في قصص "ألف ليلة وليلة". فلا يوجد روائي أوروبي لم يتأثر بهذا الأثر الشرقي المهم.

ومن اللافت أن موضوع الصحراء ليس وحده من يجذب الغربيين إلى روايات الكوني بل رؤيته إلى الصحراء وأهلها أيضًا، فهو يعرض الإنسان من أبناء الطوارق الذين يسكنون الصحراء الكبرى، ويشكلون مجتمع روايات الكوني بأنه رمز للوجود الإنساني الذي يعاني قسوة الحياة، ويتصف بغناء الروح في تلك المنطقة الموحشة من العالم.

كما أن الكوني يعرض رؤيته تلك دون أن يتطرق إلى الكوارث الإنسانية التي سببتها الحروب التي خاضها الاستعمار الغربي على هذه الصحراء التي تناولها الكوني في رواياته. إن الصحراء موضوع روايات الكوني هي البيئة التي يعيش فيها الطوارق الذين يتحدث عنهم في رواياته، وهي نفسها التي كانت مسرحًا للاستعمارين الفرنسي والإيطالي. إنه يتحدث عن الصحراء منعزلة عن تاريخها الاستعماري، وبخاصة الاستعمار الفرنسي الذي دمر البيئة في الجزائر، وقتل مليون شخص من الجزائريين، وما زال تأثير أسلحته واضحًا في البيئة والناس حتى الآن، وكذلك الاستعمار الإيطالي الذي احتل ليبيا، وطن الكوني الأول قبل أن يتركه ليعيش متنقلًا في البلاد الغربية، ومنها إيطاليا البلد التي زرعت في ليبيا الخوف والدمار.

ولعل من أهم العوامل التي تفسر اهتمام الغربيين بروايات إبراهيم الكوني أن الثقافة الغربية هي ثقافة تنطلق من الفكر الاستشراقي، الذي تحدث عنه إدوارد سعيد في كتابه "الاستشراق"، الفكر الذي يرى الحضارة الغربية أرقى من الحضارات الشرقية، وبخاصة الحضارة العربية؛ إذ يراها حضارة صحراء متخلفة من الناحية العلمية والفكرية غنية من الناحية الروحية والخرافية؛ لهذا فلا بد أنهم وجدوا في روايات الكوني ما يدعم هذه الفكرة، ويرسخها في عقولهم.

هكذا لا غرابة أن تحظى روايات الكوني بهذا الاهتمام الغربي أكثر من اهتمام العرب بها؛ لقد رأى الغرب فيها ما يوافق مصالحهم، وفكرتهم عن الشرق بأنه صحراء قاحلة، وأن أهلها على نياتهم، لا يتقنون غير الجري وراء الماء والكلأ وتربية الجمال، وليس لهم نصيب من الحضارة والتقدم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى