سعيد كنيش - أزمة فرنسا اليوم

الانتخابات الرئاسية في فرنسا تكشف من جهة الأزمة البنيوية للرأسمالية التي تغرق فيها فرنسا، ومن جهة تانية وجود أزمة البديل، أي غياب انتهاج الطريق للاشتراكية كضرورة موضوعية في بلد يتهاوى من قوة امبريالية- استعمارية في أوربا الغربية، إلى بلد صار يفقد مرتبته كاقتصاد متطور، تجاهد حكومته اليوم لتطلب من أمريكا دعمها للحفاظ على حصتها من سرقة خيرات شعوب الجنوب في مناطق نفوذها الكلاسيكية. الانتخابات نفسها في فرنسا تسير إلى أن تصبح مثل الانتخابات في الولايات المتحدة، حيث الفصل التام بين إدارة الحياة السياسية التي يتقاسمها حزب واحد بجناحين جمهوري وديمقراطي، وإدارة الاقتصاد المحكومة بمراكمة الرأسمال والارباح من طرف حفنة من الشركات الاحتكارية الكبرى العابرة للقرات. لذلك فإن الناخبين في فرنسا يزداد ويتوسع شعورهم بأنه لا أهمية لصوتهم في تغيير أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خاصة العمال والفلاحين الصغار والطبقات المتوسطة والشباب والعاطلين والمهاجرين والمتقاعدين، أي أكثر من ¾ الفرنسيين. كما أن اعتقادهم يرتفع بأن المؤسسات السياسية المنتخبة لا تكترث لمصالحهم المباشرة. فالليبرالية "ايديولوجية السوق" التي ازدهرت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وارتفع سقف وعودها بالرفاهية والديمقراطية والسلام سرعان ما بدأت تنطفأ أضواؤها
أزمة الرأسمالية في فرنسا ومثيلاتها في المراكز الامبريالية ( امريكا الشمالية، أوربا الغربية، اليابان، أي الثالوث) مع الاخذ بالاعتبار التفاوتات المهمة فيما بينها، فهي بتعبير المناضل الماركسي الراحل سمير أمين "رأسمالية متهالكة" ، بمعنى أنها ليست أزمة عابرة ممكن أن تتجاوز تناقضاتها إلى مرحلة من التوسع والازدهار كما يدعي أنصار الليبرالية، ولكنها مؤشرات الازمة تعبر على ضرورة تجاوز الرأسمالية التي أصبحت تهدد الحضارة البشرية. وهذا موضوع خاص يمكن العودة له في مناسبة أخرى. ويمكن بالاستناد على المرتكزات التي قدمت صياغة الاستنتاجات التالية:
# فتى بنك روتشيلد الذي وصل إلى حكم فرنسا لمدة خمس سنوات، هو أفضل حاليا من يمثل اختيارات الرأسمال الاحتكاري المعولم في فرنسا القائمة في هذه المرحلة على متابعة تفكيك المنظومة القانونية الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية التي كانت تحمي حقوق الطبقات الشعبية والشباب والعاطلين واالمتقاعدين، وقد تذوق الفرنسيون تطبيق هذه الاختيارات لمدة خمس سنوات، وعانوا من نتائجها . وهناك احتمال كبير لعودته رئيسا أمام منافسته في الانتخابات الرئاسية زعيمة اليمين العنصري، يوم 24 ابريل القادم.
# تجمع اليمين العنصري الذي يشكل وجها للازمة في فرنسا بعد أن أضحى وجوده عاديا banalisation بفضل الاعلام الأحادي الرأي الذي أصبح خاضعا أكثر لسلطة المؤسسات المالية الاحتكارية ودورها في صناعة الرأي. خياره الوحيد هو العودة بفرنسا والحنين إلى أمجادها الاستعمارية. فعاليته هو تكريس شبح المهاجرين ورموزهم الثقافية والاثنية كعدو أصبح وجوديا في وعي جمهور ناقم، والاستثمار في هذا الخوف لقبول الاجراءات القاسية التي تفرضها عليه هذه المؤسسات. أما الطبقة الحاكمة في فرنسا فهي متصالحة مع اليمين العنصري وتقبل جل أطروحاته حول العداء للمهاجرين بعد تغليفها بالمساحيق مثل الدفاع عن مبادئ الجمهورية.
# السيد جون لوك ميلانشون وتجمعه " فرنسا الأبية" الذي يشكل الآن واجهة اليسار الفرنسي، مشكلته أن الاساس في اختياراته السياسية و الاقتصادية والاجتماعية ، يقوم على العودة باليسار إلى الرهان على إمكانية انبعاث روح "التحالف التاريخي" بين الرأسمال والعمل،( أقول انبعاثا لروحه وليس استنساخه) الذي تكرس تدريجيا بعد الحرب العالمية الأولى كمشروع جواب للأزمة الراهنة. نحن نعلم أن الذي سمح بهذه الامكانية ، هو فائض القيمة التاريخي المنهوب من المستعمرات. حصة فرنسا كدولة استعمارية كلاسيكية تعتمد على نهب الموارد الأولية لأفريقيا خاصة وعلى التبادل التجاري اللا – متكافىء مع مستعمراتها السابقة الذي تعتبره امتيازا بما فيه سياسة نقدية مفروضة على هذه المستعمرات السابقة ( منطقة الفرنك الافريقي)، هو الذي مكن من رشوة العمال في المينروبول وخاصة البيروقراطية العمالية وكان وراء نشوء "دولة الرفاهية" وتطوير سياسات الخدمات الاجتماعية وتعميمها. هذا النهب الواسع من طرف الثالوث الامبريالي في إطار نظام عالمي خلق اختلالا واسعا لم يسبق له مثيل، في التطور الاقتصادي والاجتماعي بين مجتمعات الغرب وشعوب الجنوب المفقرة. ولا يمكن إنهاء هذا الاختلال إلا بإنهاء سلطة الاحتكارات الرأسمالية في الغرب الامبريالي، أي انتهاج الطريق للاشتراكية كضرورة موضوعية كما قلت في البداية، ليس كإنجاز آني ولكن كبناء للاشتراكية طويل المدى. هذا الأمر لا يوجد في برنامج السيد جون لوك ميلنشون، ولا يوجد أي حديث عن إنهاء الدور الكولونيالي التي تقوم به فرنسا سواء من داخل حلف الناتو أو من داخل الاتحاد الأوربي، ولا عن علاقات الدعم التي تقدمها للأنظمة الاستبدادية على سبيل المثال.إن مشكلة الهجرة والمهاجرين في فرنسا وغيرها، والتي تشكل محورا في الاستقطابات الانتخابية هي نتيجة لهذا النهب الواسع الذي تقوم به فرنسا في أفريقيا الذي قاد خيرة شبابها إلى الهجرة لانسداد الأفاق أمامهم.
# الكومبرادور المغربي ونظامه المخزني مطمئن حول ما يجري في فرنسا وغير منشغل بالتمام بنتائج الانتخابات في فرنسا، فهو أشبه بما كان يجري بالأمس في عهد الجكومات "الاشتراكية". فالصراعات والاختلافات الانتخابية تدور فقط حول القوة الشرائية للفرنسيين والامن والهجرة والضرائب وغيرهم، ولا شيء يدعو إلى عدم الاطمئنان حول تغيير الاختيارات. أما حقوق الانسان فستبقى أداة للاستعمال في إطار التوتر المنخفض/basse intensité الذي يمكن أن يحصل في العلاقات بين المغرب وفرنسا.

سعيد كنيش في 2022/04/22

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى