علي عنبر السعدي - نهاية الصداقة الفردية – تفكك الاجتماع العام

تسلسلت النهايات في العصر الحديث، بدءاً من نهاية التاريخ - الى نهاية الإنسان التاريخي - ثم نهاية المأساة ونهاية الأيديلوجيا -- الخ.
ولكلّ من حديث النهايات، منطلقاته الفكرية المبنية على حيثيات واستنتاجات، مازال بعضها في إطاره الفكري الرؤيوي، فيما دخل بعضها الآخر حيزاً واقعياً.
الملاحظ في تلك النهايات، انها تتناول الانسان في كينونته الاجتماعية او أوضاعه السياسية، لكنها لم تتحدث بعد عن حالات انسانية بمستوى فردي، ومنها الصداقة.
كانت الصداقة بين الأفراد، واحدة من اهم العلاقات الانسانية التي تطورت مع نشوء المجتمعات، من اشكالها البدئية، الى مستوياتها المتداخلة والمتشابكة، لكن الصداقة بقيت في الجوهر دونما تغيير، فهي تلك الصلة الأثيرية بين شخصين تقوم على صدق العاطفة والتعامل، والأثرة في الكلام والسلوك، يولدها نوع من الانجذاب الخاص باتجاه الاخر، قد يكون ارتياحاً نفسياً، أو تشاركا في هواية أو رأي او ماشابه، بل ربما من دون اسباب واضحة، لذا بقيت الصداقة عصية على ايجاد التعريف الكلي لماهيتها ومسبباتها، وقد دخلت في موروثات الشعوب الأسطورية كما في ملحمة جلجامش وصديقه انكيدو، ثم ماتبعها من أخيل وهرقل وهكتور وغيرهم من ابطال الاساطير، الذين كان لكل منهم صديقه الأثير.
لكن الصداقة بدورها، بدأت تدخل حديث النهايات، فلم تعد تلك العاطفة النبيلة أو المشاعر الصافية التي تجمع بين اثنين دونما غاية محددة، بل أصبحت مجرد مفردة فقدت معناها، وتبعثرت الى شظايا لاجامع بينها سوى المفردة ذاتها دون دلالاتها، ومن أهم مظاهر ذلك، تلك "الصداقات" التي تعقد على مواقع التواصل بين مجهولين لايعرف احدهم الاخر سوى فيما يريد قوله عن نفسه، بما فيه من احتمالات واسعة للخديعة، اما المعرفة عن قرب، فقد دخلت كذلك في حقل الحسابات المصلحية أو الاستفادة الشخصية.
وكما تحولت الحرية النبيلة التي طالما ضحى من اجلها الكثيرون، الى مجرد مفردة هلامية مطاطة وغامضة في المعنى والسلوك، كذلك تسلك الصداقة الطريق ذاته، لتكتب نهايتها، لكن ذلك قد لاياتي نتيجة سوء في الناس، بل ضريبة للتسارع المطرد في ايقاع الحياة وتنوع مستوياتها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى