حسين حبش - أهرامات تيوتيهواكان..

إلى بياتريس توكسبان


سلكنا بياتريس وأنا “درب الموتى” بسلام
صعدنا الدرجات والمصاطب الحجرية العملاقة بخفة الريح.
وصلنا إلى قمة أهرامات تيوتيهواكان الخالدة.
هناك في قمة هرم الشمس العظيم،
أفردنا أجنحتنا للشمس الساطعة في الأعالي كطائرين
يستطلعان أحوال الحب وطقوسه المتقلبة.
نظرنا بغبطة إلى هرم القمر في الجهة الأخرى،
لمحنا رؤوس الثعابين المكسوة بالريش والذكاء وهي تلمع كالنجوم.
اتكأنا بخشوع على صخرة رفعها أجداد المكسيكيين العظام إلى القمة.
تجاذبنا أطراف الدهشة المنبعثة من كل زاوية من زوايا المكان بصمت.
تعانقنا كعاشقين ولدا للتوِّ من ضلع شجرة عملاقة زرعها مزارعوها
الخبراء بأحوال الأرض والخصوبة.
وفي الجوار من عبق التاريخ، حيث المعابد والقصور والأروقة والجداريات والمدرجات الهائلة،
التقطت بياتريس، فجأة، حصاة مدورة كانت تلمع كعين قط تحت عشبة خضراء،
ووضعتها بين أصابعي، وقالت هيا دحرجها!
دحرجتها دون تردد، ولم أكن أعلم أنني سأوقظ شعباً كاملاً من تحت الأنقاض!
لم أكن أعلم بأنني سأوقظ واهبو الحياة وبناة المستقبل الأفذاذ من غفوتهم الطويلة!
انحنت بياتريس بقامتها النحيلة وهمست: ها هم بناة الحياة قد استيقظوا من غفوتهم
وعادوا إلى سابق عهدهم في الهمة والنشاط والعطاء…
ما رأيك أن نبقى بينهم، نبني معهم مملكتهم من جديد، ونتقاسم معهم الخبز والملح والحياة؟
أومأت لها بقلبي موافقاً!
ها أنني قد أصبحت مواطناً في مملكتهم العظيمة،
أعمل نحاتاً، أهذب الصخور بإزميلي الدقيق
وأرفع فوق المصاطب العالية تماثيل عظيمة لآلهتم وملوكهم ومحاربيهم ونسائهم الجميلات.
وبين الحين والآخر آخذ دواتي وأكتب قصائد رعوية لراعية السهل وقبرة الجبل
ولقبرتي، أعني بياتريس قلبي، الحصة الكبرى من القصائد.
بينما بياتريس، قد أصبحت أنثى الحقل، تعمل بهمة ونشاط،
تزرع الشِّعر في التربة الخصبة، تسقيه بحليبها الناصع الخصوبة!
وبين الحين والآخر تغسل رأس الغيوم، وتضع الأقراط في أذن الغمام بسعادة لا توصف.
إذن ها أننا بياتريس وأنا سعداء بزخارفنا وقببنا وتماثيلنا وقصائدنا التي نكتبها بمنتهى الفن،
ها أننا سعداء بحياتنا الجديدة التي لا تضاهيها حياة أخرى في الحب والفرح والجنون
والجمال والتفاني والعطاء والإخلاص…

مكسيكو سيتي، نوفمبر 2015



* منقول عن: مجلة قنآص


أعلى