مصطفى نصر - ذكريات رمضان والعيد

في بداية شبابي كنت أذهب في شهر رمضان كل ليلة إلى شارع النصر. وشارع النصر له حكاية مهمة لابد من ذكرها. فقد عين جمال عبد الناصر زميله عبد اللطيف البغدادي وزيرا للتخطيط. فصنع المعجزات، كانوا يقولون: عصا عبد اللطيف البغدادي السحرية مرت من هنا. فهو الذي صنع نفق محطة الرمل في الإسكندربة، ولاحظ ان المسافر الذي يأتي عن طريق البحر، يتخبط في أزقة وحواري قديمة ومهملة، والسيارات تغيب حتى تجد طريقا يؤدي للبحر. فاشترى هذه البيوت، وعوض أصحاب المحلات، وصنع طريقا يبدأ من باب 10 الذي يخرج منه ركاب السفن، وأقام شارع النصر، شارع طويل أقيمت فيه مباني جديدة كلها لها شكل وطابع واحد، ووجدت أراضي كثيرة لم تبنى عليها مباني للآن.
هذه الأراضي الخالية أستغلت في شهر رمضان. فجاء كثير من المطربين المشهورين ليغنوا في شوادر خصصت من أجلهم: محمد عبد المطلب وكارم محمود وغيرهما. والدخول بقروش قليلة، وشادر فيه بقرة بخمس أرجل، وشادر آخر فيه الشيكا بيكا، تمثال ذو وجه أسود، يحرك شفتيه ويأتي الصوت بطريقة تجعل المشاهدين يعتقدون أن التمثال هو الذي يتحدث. وشادر فيه غناء شعبي، وغازية ترقص وأخرى تغني، وكلا منهما تطوفا على الزبائن بتار، يضع الناس فيه قروشهم. وشادر كبير مضاء بكلوبات كثيرة فيه كل أنواع القمار، وكان معنا صديقين أعتادا على لعب القمار وخسارة أموالهما كل ليلة.
وبعد هذا نذهب بالمرة إلى منطقة اللبان، لمتابعة بقايا الكومبكير، سيدات ممتلئات، يجلسن على الرصيف يدخن، ويعرضن أجسادهن. وشابات يقمن من أماكنهن عارضين علينا بضائعهن.
00
لا حول ولا قوة إلا بالله، فكل الأشياء تغيرت.
كنا في يوم وقفة العيدين – الفطر والأضحي – نتقابل في القهوة التجارية، يأتي أصدقاؤنا الذين يعيشون خارج الإسكندرية: محمد السيد عيد ومحمد عبد الفتاح - اللذان يعيشان في القاهرة - ويأتي صديقنا محمد عبد الله عيسى - الذي يعيش في مدينة الإسماعيلية - وغيرهم كثير. من كثرتنا كان الساقي يضع عددا كبيرا من الموائد في صف واحد. ويستأذن البعض ويعودوا لبيوتهم، ولا يتبقى سوى القليل: محمد السيد عيد ومحمد عبد الله عيسى، وصبري أبو علم وأنا ومحمد محمود عبد الرازق،- هو قاهري لكنه أعتاد على قضاء الأعياد في الإسكندرية في فيلته في شاطيء الزهور -

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى