أمل الكردفاني - نوبل: أفريقيا كحديقة حيوان..

لا زالت معايير الغرب تحاول تنميط الأدب الأفريقي لتحوله لقناة ناشيونال جيوغرافيك التي توثق للحياة البرية في أغلب أفلامها. هذا التنميط الذي يتم قسر الكتاب الأفارقة الطموحين على اتباعه. في حين يمنح الحق للأدباء الأوروبين بالمروق خارج الحدود، مما يجعل من معايير نوبل إمبريالية ثقافية جديدة. وآخر هذا التنميط الإمبريالي هو منح الكاتب التنزاني عبد الرزاق قرنة جائزة نوبل حول تأثير الاستعمار ومصير اللاجئ الإفريقي. حيث أشارت القارديان إلى أن رئيس لجنة نوبل اندرس اولسون ذهب إلى أن قرنة فتح أنظارهم على شرق إفريقيا المتنوع ثقافيا بشكل غير مألوف للكثيرين.
لقد كتبت مراراً عن هذه النزعة التنميطية للأدب الأفريقي، وأقصد بالأدب؛(الكتاب أفارقة). حيث ليس مسموحاً لهم التفكير خارج سور حديقة الحيوان مخترقين العولمة. فمنذ وول سوينكا وحتى اليوم لم تتغير تلك النظرة تجاه الأديب الأفريقي.
لقد ذكرت -في مقالات سابقة- امتداد هذه المعضلة إلى مستوى المنح المالية، والمشاركة في الفعاليات الدولية، تحت متابعة المنظمات الدولية الصغيرة، والتي يمكن أن تضيف النشاط السياسي (النضالي) كأحد معززات الحصول على نوبل. ولقد أعادت الغارديان ذاكرة الجدل حول المطاعن السياسية التي وجهت للكاتب النمساوي هاندكة بسبب قناعاته السياسية.
قبل بضعة سنوات، حدثت الفضيحة الجنسية في نوبل، مما حجب الجائزة لفترة من الزمن، وأتذكر حينها أنه تم خلق جائزة بديلة مؤقتة لنوبل وقد ناقشت المجموعة التي أدارتها معايير الجائزة الأدبية والتي انحصرت في القيم الأخلاقية وفي تعزيز الدموقراطية، لقد هالني ما قالوه فكتبت حينها، أن ربط الأدب بالأخلاق ليس فقط إقتحاماً للأزمة الفلسفية الخاصة بمفهوم الأخلاق، بل هي فوق هذا تعني تكريساً لخنوع يخالف الإبداع الذي يعتبر مقاومة مستمرة. بل لا زالت نوبل -حتى اليوم- تصر على عدم تعريف المثالية المطلوبة كمعيار للجائزة؟. إذ أن الرفض وحتى العبثية قد تمثل مثالية هابطة، ولهذا أيضاً ثار الجدل حول منح صمويل بيكيت جائزة نوبل.
وإذا كنا لا نرفض التنميط السياسي، والأخلاقي، لأن هذه قضايا شخصية، ترتبط بوجهة نظر الأديب ومدى خضوعه لمعايير الجوائز، ألا أن نمط حديقة الحيوان هذا لا يمكن تجاوزه بسهولة. لأنه هنا يقترب من الجدران العازلة والعنصرية كتلك التي ترفض من الشرق أن يستغرب فتتعمد تجاهله، وتقبل من الغرب أن يستشرق بكل زيف الاستشراق.
لقد أسعدني جداً الرفض الياباني، لفكرة الحصار الأدبي داخل الثقافة اليابانية، بل ومحاولة تجاوز التوثيقية الكلاسيكية للحضارة الآسيوية، كما فعل موراكامي. بل وكما فعل كنزابورو أوي أيضاً، وكما سيفعل آخرون.
ربما كان قبول الغرب لذلك التمرد الياباني ناشئ عن القفزات الاقتصادية لليابان، حيث لم يعد بالإمكان القول لأي كاتب ياباني: "توقف..هذا ليس مكانك".

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى