حوار مع المبدعة السودانية أريج محمد أحمد.. أجراه موقع أنطولوجيا السرد العربي

المبدعة السودانية أريج محمد أحمد تكتب الشعر والقصة القصيرة والسرد الوجيز، ومجموعة اهتمامات وانشغالات أدبية وفكرية متنوعة.. لها ديوان شعر صدر حديثا يالقاهرة، بعنوان: "منازل الوجد".. حاصلة على بكالوريوس في الاقتصاد وعلم الاجتماع في جامعة الخرطوم نقترب منها لتقريبنا من عوالمها الإبداعية


1- كيف نشأ شغفك بالكتابة؟ وكيف تولدت لديك قريحة ورغبة الكتابة؟
> شغفي بالكتاية بدأ مبكراً وجاء كنتاج طبيعي لولعي الشديد بالقراءة اذ ان القراءة بالنسبة لي لم تكن فقط منتوجا ابداعيا اطلع عليه او كاتبا مفضلا اعجب باسلوبه لا الامر بالنسبة لي كان ذو ابعاد أخرى مثلا الدهشة كانت هاجسي الاول كيف يمكن لشخص ان يكتب بهذه الطريقة ويخلق عالما متكاملا نفضله على ماحولنا هذا بالنسبة للرواية واما الشعر ذات الدهشة تصيبني من اين تأتي هذه القدرة على نظم هذه القصائد بروعة الوصف وكم المشاعر التي تتفجر من خلال حروفها ، كنت شغوفة جدا بالتعرف على كلمات جديدة على عبارات مختلفة وكنت افكر دائما واتساءل هل الكتاب اشخاص مثلنا ..
من هذا المنطلق بدأت الكتابة تلح علي بداية بمواضيع الانشاء في المدرسة كنت احاول دائما ان اضيف شيئا مختلفا وان اعكس ذلك المخزون من الكلمات وطريقة النسج السردي بما يتناسب مع سني وادراكي طبعا فكانت كراسة الانشاء عندي مميزة ونال اسلوبي الاستحسان وكنت احرز أعلى الدرجات ثم تعمق هذا الشغف بداخلي وبدا يكبر معي وأصبحت الكتابة شغلي الشاغل واصبحت اكتب مايشبه المذكرات ثم الخواطر ثم مقاطع شعرية وهكذا كنت ادون كل مايمر بي ويعتريني من مشاعر ... القراءة هي التي عرفتني على موهبتي وصقلتها وملكتني أدواتها وجعلتني ادرك انها متنفس حقيقي للروح ...

2- من هم الشعراء الذين أثروا في شاعريتك؟
> كان لأول ديوان قرأته في حياتي( أغاني الحياة ) للشاعر التونسي أبو القاسم الشابي عظيم الأثر في نفسي كنت اجلس لساعات اقرأ واتأمل وأحيانا القي القصائد بصوت مسموع راق لي جدا جمال اسلوبه ورقة المشاعر ، تأثرت بأشعار امل دنقل وكان ذلك مبكرا جدا اذ كانت هذه الدواوين موجودة في المنزل بعدها قرأت لنزار قباني وعشقت قصائده والشخصية نفسها كانت مثار اهتمامي والجميل جدا محمود درويش هذا اضافة لكم من الشعراء عرفتهم وقرأت لهم خلال مراحلي الدراسية لهذا من الممكن ان اقول هؤلاء الشعراء ليس فقط أثروا في شاعريتي بل انهم أسهموا في اذكاء الحس الشعري عندي فأنا من خلالهم تذوقت معنى الشعر نفسه وبدأت لغتي الشعرية الخاصة في التفتح والازدهار ...

3- الشعر هو تعبير عن الإحساس والمشاعر المحتدمة في نفس الكائن.. ما هي الحساسيات التي صنعت اهتماماتك الابداعية؟
> الجمال في الطبيعة يحرك مشاعري مثلا شكل غيمة مختلف من الممكن أن يخلق بداخلي فكرة لنص ما كذلك المشاعر الحب طبعا بكل تفاصيله و تداعياته أنا أحب الحب نفسه وتعجبني قصص الحب من حولي اندمج مع تفاصيلها وكثيرا ما شاركت صديقاتي في قصص الحب خاصتهن وكنت اكتب لهن الرسائل أصف شعورهن لدرجة انهن يسألنني كيف تصفين مشاعرنا بهذه القدرة ، ايضا الحزن الحزن هو أكثر مايستفزني وفي هذه النقطة يحضرني وصف دقيق جدا هو انني اجيد استضافة الحزن وأعيشه كما يجب ليس بالضرورة أن ينتج عن ذلك نصا في ذات اللحظة ولم يكن ابدا ذلك من اهدافي مطلقا ولكن بالتجربة ومن خلال الحياة والاحزان التي نعيشها أدركت انني حين أكتب عن حالة الحزن أشعر بعدها براحة عجيبة وكأن حملا كان يثقل كاهلي وتمت ازالته لذلك اعتبر ان الحزن (الفقد ، الموت ، الغربة ،الظلم .....) محرض أساسي عندي للكتابة ...
عموما هذا الثالوث المقدس (الجمال ، الحب ، الحزن ) هو أساس الحياة لو نظرنا اليه بعمق ،لذا الحياة هي مصنع الابداع بداخلي وكيفية العيش فيها وادارة العلاقات والتعاطي مع مجريات احداثها ومن فيها سواء (الطبيعة ، البشر)....

4- الشاعر أسير مدارس ومذاهب أدبية معينة.. كيف تنظرين للقصيدة وكيف تولد في متخيل > شاعرتنا.. وما هو الهاجس الذي يسيطر عليك أثناء مخاض ولادة القصيدة؟
أنا جربت كتابة انواع كثيرة من المدارس الشعرية منذ ان بدأت الكتابة ليس من باب التجريب او اختبار القدرات وانما من منطلق انني حين يدخلني حدث ما في حالة الكتابة لا افكر في الناتج ولا لأي نوع من مدارس الشعر ينتمي وقد يحدث ان اكتب شيئا لا يصلح لان يكون شعرا حتى المهم عندي اللحاق بالفكرة التي تأتي كلمعة البرق وفي ثوان تتشكل بداية لنص ما وتدوينها قبل ان تتلاشى أحيانا أكتب بصورة مشهدية وكأني ارسم بالحرف حالة ماثلة أمامي واحيانا أكتب بصورة عبثية جدا يكون رأسي خاو من اي فكرة وتجتاحني الرغبة في الكتابة تبعا لشعور مبهم يكتنف روحي ويسبب لي حالة من الارتباك ولا ايهدأ لي بال الا والحروف تعانق سطور أوراقي وعندما اعود واقرأ أجدني أنا على الورق ذات الارتباك ذات الفراغ المشحون بمشاعر لا يمكن تفسيرها الا شعرا وبلسان الروح وترجمة الحرف والقلم فأقتنع اكثر بمقولتي ان القصيدة هي التي تكتبني ولكن أجدني في هذه الفترة أميل اكثر لمدرسة الشعر الحر اشعر بالحرية اكثر وانه بامكاني الوصول لاماكن بعيدة جدا من خلال خصائصها الممثلة في التعبير عن الواقع والتجديد في اغراض الشعر واستخدام الرمزية والأساطير .

5- ما رأيك في قصيدة الومضة والهايكو والشذرة التي أصبح لها حضور طاغ في االمشهد الادبي > الحاضر؟ وما اللون والجنس الادبي المفضل لديك؟
أكتب الومضة والشذرة واحب جدا هذين النوعين لأنهما يجسدان معنى الاختزال والعمق ولكن لست مع استسهال الأمر اذ ان هناك ضوابط صارمة تحكم هذا النوع من الكتابة البعض يظن أن قلة الكلمات او السطور تعني بساطة الأمر على العكس تماما وعن التفضيل أقول انا أسيرة اللحظة التي أكتب فيها واحب كل الانواع ولا أفضل جنسا ادبيا على الآخر لكل ماأكتبه فعله الخاص وانعكاسه الجميل على روحي...
اتابع الهايكو بشغف ومعجبة جدا بالفكرة وقرأت لشعراء أجادوا فن كتابته، ومن يدري قد أكتبه في يوم ما

6- قديما قال أبو فراس الحمداني (الشعر ديوان العرب وعنوان الأدب) ما رأيك بمقولة إنّ الشعر قد ولى زمانه، وأن هذا هو زمن الرواية؟
> أبدا الشعر هو تلخيص لحالات ومشاعر تعتري نفس كاتبه في كل زمان ومكان مثله مثل أي نوع أدبي آخر مرتبط بالحياة يؤثر فيها ويتأثر بها يتطور ويتجدد حسب متطلبات كل عصر وتظهر أنواع جديدة منه حسب ما يطرأ على المجتمعات وانسانها من كل النواحي اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وبما ان الشعر نتاج بشري ابداعي مرتبط بروح كاتبه وبالحياة عموما فلا يمكن ان يولي زمانه مثله مثل الانواع الادبية والفنية الأخرى ان كان الرواية او غيرها...

7_ماذا أضاف المجال الدراسي في الاقتصاد وعلم الاجتماع من جامعة الخرطوم لموهبتك الإبداعية؟
> دراستي للاقتصاد وعلم الاجتماع دراسة تهتم وتبحث في المجتمع واهم الركائز التي يستند عليها وتؤثر علي انسانه ، فان كان الانسان ابن بيئته كذلك الشعر هو ابن البيئة التي ينشأ فيها الشاعر ويعكس واقعها في أشعاره لذلك نجد الظروف الاقتصادية وكل ما يؤثر عليها سلبا وايجابا من سياسة وغيرها ينعكس على نوعية القصيدة التي تخبرنا بكل شفافية عن كل مرحلة من مراحل المجتمع ترتدي سماتها مثال مايحدث عندنا في السودان من ظلم وعنت وفقر قادنا الى ثورة افرزت نوعا شعريا مرحليا بامتياز واخرجت شعراء برزوا من صميم هذه الأزمة وماتلاها من انفراجة ثورية بقصائد غاية في الروعة خلدت هذه الفترة من حياة السودانيين وأسست لانتفاضة أدبية في مختلف الضروب الابداعية قوامها الحرية والعدالة فالشاعر هو لسان حال امته...

8- هل تعتقدين بأن زمن الشعر قد ولى برحيل معظم الشعراء العظام؟ وكيف ترين حال القصيدة > العربية في زمن الفوضى الرقمية؟ وكيف تتصورين مستقبل المشهد الشعري العربي في المستقبل في ظل هيمنة التكنولوجيا، وكثرة التحديات؟
الشعراء العظام لم يولدوا عظاما وانا مؤمنة بأن لكل فترة نصيبها من العظماء والا ماكان لدينا ارث من الشعراء والادباء والفنانين في كل المجالات من حقب وازمان سابقة ولكن تكمن الاجابة في السؤال نفسه كثرة المنابر في ظل الفوضى الرقمية كما أشرت هي التي أدت الي احداث انفجار في كمية المطروح بغض النظر عن الجودة وهنا يكمن التحدي وان كان الشعراء ومن منطلق خاص بي أرى انهم لم يقصروا في اثراء المشهد الشعري وانه هناك الكثير ممن يشار اليهم بالبنان ولكن هناك قصور في ظل التحديات التي اشرت اليها من الجهات المختصة ممثلة في وزارات الثقافة والاعلام والنقاد ودور النشر في مواكبة هذا الزخم ومحاولة المتابعة وتبني المحافل والفعاليات واقامة الندوات التي من شأنها العمل على غربلة وتمحيص والقاء الضوء على هذه التجارب حتى نخرج بنماذج قوية واقول قوية لأنه في حينها سيتلاشى كل ماهو ليس جدير بالبقاء على المنصة وبهذا نؤسس لجيل جديد من العظماء...

9- أنت شاعرة، ما مدى حضور الأجناس الإبداعية الأخرى ضمن دائرة اهتماماتك؟
> نعم أنا أكتب القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا (الققجة) الى جانب كتابة المقال ولدي بعض القراءات النقدية في الرواية ايضا نشرت في العديد من المواقع المهمة لكتاب من دول مختلفة (إريتريا ، جيبوتي ، الجزائر ، مصر )

10- ما هو حلمك الإبداعي؟ ما هي مشاريعك المؤجلة؟
> حققت في هذا العام اول حلم لي على الصعيد الابداعي خروج ديواني الاول( منازل الوجد ) الصادر في القاهرة 2022 الى النور الى جانب مشاركتي به في معرض القاهرة الدولي للكتاب من نفس العام في دورته (53) ....
وأحلم بالمزيد من الاصدرات وتشكيل حضور أكبر في الساحة الادبية والثقافية في بلادي وفي العالم أجمع ...
مشاريعي المؤجلة رواية تأبى ان تكتمل ...

11- إن (الأدب هو أفضل ما تم اختراعه للوقاية من التعاسة) بحسب مقولة ماريو بارغاس يوسا. الى اي مدى تحتمل هذه القولة مقدارا من الصحة؟ وهل تحميك ملكة الشعر من هذا الشعور؟
> أعتقد ان المقولة صحيحة بنسبة كبيرة جدا ولكن بين قوسين ليس بصورة مطلقة فالادب بالنسبة لي كمتلق هو كذلك للوقاية منها ومضاد يعالج حالات الاصابة بها، ولكن كمساهم في المنتج الادبي مثلا عبر كتاباتي الشعرية تمثل الكتابة لي الراحة التي تعقب المخاض فالحرف ليس دائما مطواعا ولا الرؤية واضحة المعالم وهناك حالات من التعسر في الكتابة تشعرني بالعجز والتعاسة مصحوبة بالقلق والعصبية اذ انه هناك شيء ما ادركه ولا ادركه يلوح لي يقترب ويبتعد اذن الامر لا يخلو من مد وجزر ...

12- ما هي رؤيتك للإبداع عموما تحت وطأة الجائحة التي أحدثت شرخا في العادات والعلاقات الإنسانية؟
> جائحة كورونا تركت أثرا واضحا على الحياة في كل المناحي وغيرت الكثير بداخل كل منا بالنسبة للابداع ظهرت الكثير من الاقلام التي وثقت لتلك الجائحة رصدت حالة التغيير التي طرأت على المجتمعات وقدمت حالات الحجر الطويلة بصور درامية مختلفة وكذلك حالات الفقد ايضا توغلت اثار الجائحة في الانتاج الشعري لما تركته من اعتلالات على نفوس البشرية احزان توقعات تمنيات ووصف للمعاناة مع المرض نفسه وايضا ظهر ذلك في الرواية والقصة وكل ضروب الابداع وفي اعتقادي كان ذلك عبارة عن متنفس لهؤلاء المبدعين ومحاولة تفريغ للطاقة السلبية التي كانت تسيطر على المشهد الى جانب خلق حالة من التواصل في ظل حالات الحجر التي أدت إلى حدوث خلل كبير في العادات والتقاليد ظهرت آثارها في الحالة النفسية للناس ، أظن ان الجائحة أعطت البشرية درسا مهما في تقدير الحياة اكثر وعملت على ازدياد حالة الوعي العام بأن صحتك و سلامتك هي مسؤليتك المباشرة وتنبثق منها مسؤليتك غير المباشرة في حماية المجتمع من حولك...

13- ما رأيك عن مشكلة العزوف عن القراءة التي أصبحت تشكل خطرا على الوعي العربي
> نعم هي مشكلة حقيقية كما أشرت وهناك الكثير من المتغيرات التي طرأت على حياتنا وشكلت عادات جديدة في سلوكنا واهتماماتنا وللأسف أدت الى تقهقر الاهتمام بالقراءة وممارستها كواحدة من العادات اليومية او اعتمادها كسلوك ملازم للحياة هذا بالطبع ليس عذرا ولكنه الواقع وبناء عليه اصبح هناك هشاشة في الفكر وضحالة في الوعي وبناء عليه تسيدت السطحية الموقف
من دون القراءة لايمكن ان يكون هناك عمق في أي شي ولا تقدم وازدهار
لذا لابد من وقفة قوية والعمل على عودة القراءة والتأسيس لذلك بطرق مدروسة ودمجها كمادة أساسية في المناهج الدراسية والاعداد لذلك بصورة جيدة مع تهيئة البيئة المناسبة من مكتبات مجهزة والتوعية بدور القراءة كفاعل رئيس في تنمية اعقل وزيادة نسبة الوعي وبالتالي النهوض بالمجتمعات ...

14- ما هي الأسئلة التي كنت تنتظرين طرحها عليك؟
> كانت الاسئلة شاملة متناغمة في تسلسل ممتع سعدت جدا بهذا الحوار
أستاذ مهدي فقط تمنيت لو سألتني عن الوسط الأدبي رؤيتي عنه وكيف كانت تجربتي في الاندماج فيه من خلال السوشيال ميديا الفيسبوك تحديدا

أشكرك جزيل الشكر أسرة أنطولوجيا السرد العربي على هذه اللحظات الجميلة والتي من خلالها تعمقت في حديث شائق مع ذاتين واتاحت لي الفرصة للإستماع لأناي من خلال اسلوبكم المتمكن في ادارة الحوار ...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى