خالد جهاد - القبح والجمال.. الغاية تبرر الوسيلة

القبح هو نقيض الجمال، سمعنا الكثير عنه في حكايات الأطفال، وكانت هناك دائما تلك الشخصية الشريرة ذات المظهر القبيح والملامح القاسية التي تحيك المؤامرات لينتصر الخير لاحقاً ويتوج الصراع بنهاية ٍ سعيدة.. سلسلة (القبح والجمال) التي بدأت مع مقال بنفس العنوان وتبعها مقال بعنوان (اغتيال الذاكرة) ستتحرك على الأغلب في أزمنة متغيرة منذ السبعينيات حتى اليوم ، مع مشاهد مستعادة (فلاش باك) لتحاول رسم مشهد بطله هو المواطن العادي بالشراكة مع الفنانين والمثقفين في محاولة للتفكير والتساؤل ولنحاول أن نفهم أو نقرأ الواقع الذي نعيشه، ولنتذكر دائما ً أننا جميعاً نمر بنفس الظروف التي لا تميز بيننا لكنها تريد دفعنا لثقافة التمييز والتفرقة..

وكي تكون الأمور أكثر وضوحاً سنبدأ من نقطة بالغة الأهمية ألا وهي الإعلام، فهو المسؤول الأول عن معظم ما نعيشه وعن تغير المفاهيم ليس فقط في مجتمعاتنا بل وحول العالم وهو ما سنذكره تباعاً، وكون الإعلام والأعمال الفنية مترابطين سأذكر عملاً درامياً يختصر المسافة ويوضح الكثير مما أريد قوله والذي لن يكون الوحيد في هذه السلسلة، فلطالما كان هناك حالة من الشك والريبة والتباس الكثير من الأحداث أو المفاهيم والمصطلحات وتحديد المسؤول الحقيقي عنها، فهناك من يلوم السياسين أو المثقفين أو المجتمع خاصةً لعدم وضوح بوصلته، وهو ما ينطبق على المجتمع نفسه وشخصية المثقف التي لم يعد لها شكل محدد في الأذهان كالسابق، فالكثير لديه حالة من الإنفصال عن الواقع أو الهروب المتعمد من بيئته التي نشأ فيها والتحول إلى العمل ضدها اشباعاً لرغبة دفينة في الإنتقام وليس بغية الإصلاح والتطوير أو حتى ضد ثقافة أخرى داخل وطنه تشرب كراهيتها في محيطه، وهناك من هو خارج التصنيفات المذكورة لكنه يتمتع ببعض القبول والثقافة والقدرة على التحدث ويقوم بتوظيف ذلك لمصالح شخصية دون أن يكون تابعاً سوى لمصلحته، والنماذج من حولنا أكثر من أن نعدها إذا قررنا الحديث بتجرد وموضوعية..

وبالحديث عن عمل دسم فكرياً وكان يتمتع بالجرأة وببعد النظر واستشراف ما سيحدث مثل المسلسل السوري (ذكريات الزمن القادم) من كتابة ريم حنا وإخراج هيثم حقي وبطولة أهم الأسماء في الدراما السورية والذي تم عرضه منذ عشرين عاماً، نرى هذا النموذج للمثقفين الذين خذلتهم تجربتهم لأن إيمانهم بها لم يكن حقيقياً، وعادوا مع رغبة في الإنتقام يتجسد في شخصية (مطر) الذي قام بدوره الممثل السوري جمال سليمان وكان يجسد (الشيطان) من الناحية المعنوية، والذي عاد بعد اختفاء لمدة عشرين عاماً بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة ك(مواطن عالمي) ينتمي إلى مصالحه، والذي لا يريد أن يخسر كمثقف فيما يمكنه الربح من خلال (المتغيرات العالمية) التي يريد أن يستفيد منها، وكما دعم بشكل خبيث ولمصالح شخصية واجهات هامة في المجتمع أو نماذج واضحة متصلة بالفكر والفن والثقافة (للإستثمار) فيها من جهة، قام بإنتاج وتمويل فن هابط قبل ظهور هذه الموجة بفجاجة من جهة أخرى، وليختفي فجأة ويعود (ليستثمر) بعد إحتلال العراق عام ٢٠٠٣، وهذا العمل يعد بمثابة وثيقة ومرجعية لقراءة الصورة والمشهد الحالي فالعالم تغير بأكمله بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١، وكان لا بد من تغير الفكر والذوق ولا شيء قد يكون أقدر من الثقافة والفن وما سيندرج تحته ويتخفى بإسمه لاحقاً، ليجد من يبرره ويدافع عنه و(يسوق له) ليضمن استمراريته ووجوده في المشهد لأطول فترة ممكنة، في تغليب للمصلحة الخاصة على العامة مهما كان الثمن، واعتبار كل من يحمل المبادىء هو انسان جامد ومع ذلك سيتم محاولة تشويهه كدور الكاتبة (عبلة) الذي لعبته الفنانة السورية الكبيرة سمر سامي والتي نحييها على صعيد خاص لأنها تمتعت بالوعي الكافي لرفضها المشاركة في أي عمل يحمل فكراً متدنياً طوال مسيرتها ولأنها فهمت معنى أن تكون صاحبة موقف ورأي إلى جانب قلة قليلة من الأسماء التي نعتز بها وفهمت أن المشاهد يتأثر بما يشاهده لذا ابتعدت عن أي عمل هابط، وملخص الرسالة التي يجب أن يحملها أي إنسان وليس فقط فناناً قالتها في أحد مشاهدها ضمن هذا العمل (إذا لم يكن الفن صرخة في وجه الظلم..بلاه، وإذا ما ساهم بالتنمية الإجتماعية.. بلاه، وإذا ما ساهم بإنقاذ أطفال سيكون مستقبل البلد بين أيديهم..بلاه )، للتوضيح(بلاه) كلمة معروفة في كل بلاد الشام ومعناها لا داعي له..

ومن هنا نستطيع أن نفهم ما علاقة كل ما نعيشه بمفهومي (القبح والجمال)، ولماذا تعلو أصوات فيما تغيب أخرى كما حدث مع اغتيال المراسلة الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة والتي تم استهداف جنازتها وجثمانها لتثبت أن الصوت الحقيقي الصادق مدوي حتى في صمته ويؤثر في موته تماماً كما كان يؤثر وهو على قيد الحياة، فوحدت المسلمين والمسيحيين، كما قرعت أجراس جميع الطوائف المسيحية في نفس الوقت تزامناً مع تشييعها إلى مقبرة جبل صهيون في القدس المحتلة.. السلسلة مستمرة بإذن الله..

خالد جهاد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى