محمد السلاموني - الكتابة إلى حد التَّعرى... [3] الأدب والحب: المادة والرؤية الجمالية

[3] الأدب والحب:
المادة والرؤية الجمالية:

الأدباء الذين يقفون عند حدود المادة المتعلقة بـ "تجربة الحب"، يكتبون مشاعرهم "هُم"، أمَّا المشاعر التى تتفَجَّر فى نفس القارئ فعادة ما ترتبط بـ"إنفعالى الشفقة والخوف"؛ شفقته على مصائر الشخصيات، وخوفه من أن يلاقى نفس المصير- هذا على مرجعية "تّوَحُّده وتماهيه أو اندماجه فى الحدث"...
هنا يجب أن أتوَقَّف قليلا لإعادة النظر فى بعض ثوابت نظرية الدراما:
فى كتابة "فن الشعر"، ذهب أرسطو إلى أن "الأثر التراجيدى" يتمحور حول "Catharsis"؛
أى "التطهير" من الإنفعالات الضارة الملازمة لنا؛ نظرا لأن تَوَحُّدنا مع البطل التراجيدى يجعلنا نخوض معه نفسه التجربة الدرامية "خياليا ونفسيا"، وبذا فنحن نشعر معه بنفس المعاناة ... لكن المصير المفجع الذى يلاقيه فى النهاية، هو الذى يعيدنا إلى أنفسنا كـ "متفرجين من خارج الحدث الدرامى".
"الإتحاد" بالبطل، يعود فى الأساس إلى اشتراكنا معه فى "نقطة الضعف التى أفضت به إلى الخطأ التراجيدى"، أما "انفصالنا" عنه فيعود إلى أن موته- فى النهاية- يخُصه هو ؛ لتتبقى لنا التجربة "تجربة المشاعر الشريرة التى عايشناها من خلاله طوال الحدث"، وهو ما يجعلنا نعود إلى رُشدِنا "وقد تعلمنا من تجربته ما يُطَهِّرنا من تلك المشاعر".
ما يحدث أثناء اندماجنا فى الحدث الدرامى، هو أن ذاكرتنا الخاصة كـ "متفرجين"، تنفتح على الحدث الدرامى؛ وهو ما يعنى أن الحدث يصير بمثابة "حافزا تستجيب له الذاكرة" .
هنا، ما يثار بداخل المتفرج، هو "تجربته الحياتية" هو نفسه، أو ذلك الجانب منها الذى يشترك فيه مع البطل...
هذه النقطة هامة جدا...
الحدث الدرامى، إستعارة... هذا والإيهام بالواقع المشترك بين عالم الدراما وعالم المتفرج illusion، هو الإستعارة ذاتها- فكما رأينا، ينبَنى التطهير على "التشابه" بين المتفرج والبطل، وكذلك على "الإختلاف" بينهما- هذا الإختلاف هو الذى يعيد المتفرج إلى ذاته، المنفصله عن ذات البطل "بعد الإندماج بينهما"- وهنا تحديدا ينبثق "التطهير".
مشكلة نظرية الدراما الأرسطية هنا تتلخص فى ارتكازها على التعريف الأرسطى للإستعارة-
إذ تُطابِق بين "ما هو ذهنى وما هو واقعى"... وهو ما كشف عنه "نيتشه".
وهو ما يعنى أن "مفهوم الدراما عند أرسطو"، يتأسس على كونها "استعارة مطابقة للواقع"...
الفكرة هنا تتلخص فى اعتبار الدراما "محاكاة رمزية" للواقع؛ أى أنها هى "الواقع مُرَمَّزا".
أين الخطأ هنا؟.

يتبع...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى